ليس غريبا أن ينشأ في الأمة أناسٌ قد تشربوا المدنية الغربية فانحرفوا عن السلوك المحافظ وفقدوا بريق المبادئ ؛ لكن الغريب حقا أن يقوم هؤلاء بالحملات الشرسة والهجوم المتتابع لإسقاط الأمة في مستنقع الرذائل وغمرات النيران.
ولربما أن فقدان بعض الناس لما يميزهم كبشر من المحافظة والاستقامة السلوكية؛ يدفعهم لدعوة الناس إلى ما سقطوا فيه حين عجزوا هم عن استعادة ما فقدوه؛ وذلك على حدّ قول عثمان t:« ودت الزانية لو أن النساء كلهن زواني» .
فقلما تجد منحرفاً على اختلاف درجات هذا الانحراف؛ إلا وهو يتمنى بل يعمل جاهدا ليكون له شركاء يعملون بعمله .
وربما بعض الناس يُزَج به في هذا المضمار ليدعو الناس إلى الانسلاخ استغلالاً لانبهاره بالمدنية الغربية؛ أو لشبهة تعلقت في قلبه لم يستطع دفعها؛ فيندفع في هذا المضمار فيكون أول قتيل .
كثير هي الدعوات لتبرج المرأة وسفورها واختلاطها بالرجال؛ حتى تصير مع مرّ الأزمان ألعوبة في أيديهم تتدافعها الأيدي الملوثة بكل خزي ودنس .
وقد تحمل هذه الدعوات صورة المتباكي على حال المرأة؛ الذي يحاول إنقاذها من القيود التي تثقلها؛ فإذا بها مع طول الأمد تتبين النتيجة التي تراد من وراء
ذلك؛ وهي أن تقوم المرأة في سوق الكساد تنادي :« هيت لكم أيها الإباحيون..» .
وتعجب من ولع هؤلاء بقصة تحرير المرأة؛ والتمطق بحديثها؛ والقيام والقعود بأمرها وأمر حجابها وسفورها وحريتها وأسرها؛ وكأنهم قد قاموا بكل واجب للأمة فلم يبق إلا هذا الواجب الحتمي.
ومن تأمل الأمر رأى أن هؤلاء لا يَرْثون للمرأة؛ بل يرثون لأنفسهم؛ ولا يبكون عليها؛ بل على أيام قضوها في ديار يسيل جوها تبرجاً وسفوراً؛ ويتدفق خلاعة واستهتاراً ؛ ويودون بجدع الأنف لو ظفروا هنا بذلك العيش الذي خلفوه هناك.
ومن عرف ذلك علم أبعاد تلك الحملة الشعواء الشرسة على الحجاب الشرعي في البلاد المحافظة ؛ وما يحصل من الهجوم الشرس على المرأة المحتشمة من قبل أناس عميت بصائرهم؛ فصوبوا سهامهم نحو الفضيلة؛ وتهجموا على أخواتهم اللاتي كان من الواجب عليهم أن يكونوا لهن ستراً ووقاءً من الأعاصير المدمرة؛ والرياح الهوجاء.
دعوة يئن أصحابها أنين الثكالى متباكين؛ وكأنهم وجدوا أن حجاب المرأة يحول دون كونها امرأة ذات قيمة وهدف؛ ورفعوا لواء الدعوة إلى الفحش بأسلوب جاف؛ وزادوا على ذلك تناقضهم الشديد في قولهم:إن الحجاب الشرعي « حرية شخصية »؛ ثم إذا بهم يتناقضون ويسارعون بالهجوم على المرأة المحتشمة وسترها وحيائها.
إذن أين الدعوى بأن الحجاب الشرعي حرية شخصية ؟! أم أن هذه الكلمات ما كانت إلا من باب ذر الرماد في العيون ؟!
على أننا لا نوافق أن مسألة الحجاب الشرعي مسألة حرية شخصية؛ بل هي عبادة ربانية لا يملك المسلم إلا الإذعان لها .
إن هؤلاء المتأثرين بالغرب؛ الذين وجهوا سهامهم عليك أيتها المرأة العفيفة؛ قد غاظهم حجابك الشرعي وسترك وحشمتك ؛« حتى بدأت كالشامة السوداء في خد الحسناء »؛ واغتبطَت بك بلادك وأمتك؛ وافتخر بك كل صالح غيور ذي مروءة؛ فانهالوا بسهامهم عليك لعلهم يظفرون منك بمقتل؛ وبدأوا يدعون إلى السفور والتبرج؛ وكأنهم لا يبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لهم نساؤهم؛ فترجع المرأة بعد ذلك وقد أباها الخليع؛ وترفع عنها المحتشم؛ فلا تجد بين يديها غير باب السقوط؛ فتسقط .
انتبهي يا مستودع العفة..
فإنه بسبب أمثال هذه الصيحات المغرضة؛ والدعاوى المضللة ؛ انتشرت الريبة بين صفوف كثير من المجتمعات؛ وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها؛ وبدأ بعض الناس يعيش حالة من الوسوسة نحو النساء؛ وكأنه لا توجد بينهن عفيفة-ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا هو بكاؤهم على المرأة ؛ وهذا رثاؤهم لها وعطفهم عليها!.
ومما أقدم عليه زمرة الشر أنهم لم يكتفوا بالدعوة إلي التبرج والسفور؛ بل إنهم زادوا على ذلك أن وجهوا سهامهم إلى الدين الحنيف؛ وبدأوا يثيرون الشبه ويطعنون في الأحاديث النبوية التي تأمر بالاحتشام؛ ويؤولون كتاب الله وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم؛ من أجل الولوج إلى قلوب الناس من خلال الشبه الشيطانية.
إن هؤلاء ما قاموا بهذه الحملة الشرسة إلا لما رأوا من تمسك المرأة بعفافها وحجابها- فالناس لا ترمي إلا الشجر المثمر- وقد غاظهم احتشامك في وقت تفسخ فيه الكثير؛ فصوبوا سهامهم نحوك.
فافهموا اللعبة..!!.
فليست المسألة مسألة حرية ؛ وليست مطالبة بالحقوق؛ ولكنها مطالبة بالخروج عن المبادئ.
وهؤلاء ومن دعا بدعوتهم سيبوؤون بإثمهم وإثم من تابعهم على ذلك؛ فيا ويلهم إن أخذهم الله بذنبهم .
إن بلاداً كثيرة دعا بعض رموزها إلى التبرج والانحلال؛ فذهب أولئك النفر بآثامهم وآثام من تبعهم؛ وبقي أهل العفة والاحتشام كالجبال الراسية الشامخة في وجه الرياح العاتية؛ فحافظوا على استقامتهم وحيائهم؛ وحمدوا -حين تقدم العمر وقرب الأجل- تمسكهم واحتشامهم؛ الذي ورّثوه لأبنائهم وبناتهم؛ حتى صارت البنات مطمعاً لكل عفيف؛ ومضرباً للمثل في الحياء .
عن الموقع:
http://www.salemalajmi.com/main/play-192.html