جُمَل من أَخلاقِه صلّى اللَّه عليه وسلم
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ سورة القلم آية 4قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : كَانَ خُلُقُهُالْقُرْآنَ ، يَعْنِي
التَّأَدُّبَ بِآدَابِهِ ، وَالتَّخَلُّقَبِمَحَاسِنِهِ ، وَالالْتِزَامَ لأَوَامِرِهِ وَزَوَاجِرِهِ ،وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بُعِثْتُ
لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ ".
وَقَالَ أَنَسٌ : كَانَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ
خُلُقًا ،وَكَانَ
عَلَيْهِ السَّلامُ أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا.
وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَشُجَّ وَجْهُهُ
يَوْمَأُحُدٍ ،
شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقَالُوا : لَوْ دَعَوْتَعَلَيْهِمْ ، فَقَالَ :
" إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَلَكِنِّيبُعِثْتُ دَاعِيًا وَرَحْمَةً ، اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي ،
فَإِنَّهْمُ لايَعْلَمُونَ
" ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَالنَّاسِ عَفْوًا ، لا
يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ ، وَلَمَّا تَصَدَّى لَهُغَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ لِيَقْتُلَهُ ، وَالسَّيْفُ بِيَدِهِ ،
وَقَالَلِرَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ يَمْنَعُكَمِنِّي ؟ قَالَ لَهُ : "
اللَّه " ، فَسَقَطَ السَّيْفُ مِنْ يَدِهِ ،فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ أَخَذَ السَّيْفَ : "
مَنْيَمْنَعُكَ
مِنِّي ؟ " ، فَقَالَ : كُنْ خَيْرَ آخِذٍ ، فَتَرَكَهُ وَعَفَاعَنْهُ ، فَجَاءَ إِلَى
قَوْمِهِ ، فَقَالَ : جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِخَيْرِ النَّاسِ.
وَعَفَا عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ الْيَهِودِيَّةِ الَّتِي سَمَّتْهُ
فِيالشَّاةِ
بَعْدَ اعْتِرَافِهَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَلَمْ يُؤَاخِذْلَبِيدَ بْنَ الأَعْصَمِ إِذْ
سَحَرَهُ ، وَلا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّوَأَشْبَاهَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ بِعَظِيمِ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ
قَوْلاوَفِعْلا ،
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْخَى النَّاسِكَفًّا ، مَا سُئِلَ شَيْئًا
فَقَالَ لا ، وَأَعْطَى صَفْوَانَ بْنَأُمَيَّةَ غَنَمًا مَلأَتْ وَادِيًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَقَالَ :
أَرَىمُحَمَّدًا
يُعْطِي عَطَاءَ مَنْ لا يَخْشَى الْفَقْرَ ، وَرَدَّ عَلَىهَوَازِنَ سَبَايَاهُمْ ،
وَكَانَتْ سِتَّةَ آلافٍ ، وَأَعْطَى الْعَبَّاسَمِنَ الذَّهَبِ مَا لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ
تِسْعُونَأَلْفَ
دِرْهَمٍ فَوُضِعَتْ عَلَى حَصِيرٍ ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَايُقَسِّمُهَا ، فَمَا رَدَّ
سَائِلا حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا.
وَذُكِرَ عَنْ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، قَالَ : أَتَيْتُ
النَّبِيَّصَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ مِنْ رُطَبٍ يَعْنِي طَبَقًا ،وَاجر زغب ، يُرِيدُ قِثَّاءً
، فَأَعْطَانِي مِلْءَ كَفِّهِ حُلَيًّاوَذَهَبًا.
وَرُوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ ، ثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِالْقَطَّانُ
، بِالرَّقَّةِ ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ ، ثَنَا أَبُوعَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ
، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ ، عَنْعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ
لِيرَسُول
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا طَبَخْتَفَأَكْثِرِ الْمَرَقَ ،
وَاقْسِمْ فِي أَهْلِكَ وَجِيرَانِكَ
".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، عَنْ أَبِي كَامِلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ ،عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَبِهِ.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْجَعَ النَّاسِ ،
سُئِلَالْبَرَاءُ :
أَفَرَرْتُمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ ، قَالَ : لَكِنَّ رَسُولَاللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفِرَّ.
وَفِيهِ : فَمَا رُئِيَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : مَا رَأَيْتُ أَشْجَعَ ، وَلا أَنْجَدَ ،
وَلاأَجْوَدَ ،
وَلا أَرْضَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ.
وَعَنْ أَنَسٍ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَحْسَنَ النَّاسِ ،
وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ، لَقَدْفُزِّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيْلَةً ، فَانْطَلَقَ نَاسٌ قِبَلَالصَّوْتِ ، فَتَلَقَّاهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ رَاجِعًا قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ ، وَاسْتَبْرَأَالْخَبَرَ عَلَى فَرَسٍ
لأَبِي طَلْحَةَ عرى ، وَالسَّيْفُ فِي عُنُقِهِ ،وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا.
وَقَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ : مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُعَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَتِيبَةً إِلَّا كَانَ أَوَّلَ مَنْ يَضْرِبُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : كُنَّا إِذَا حَمِيَ أَوِ
اشْتَدَّالْيَأْسُ ،
وَاحْمَرَّتِ الْحُدُقُ ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبُ
إِلَىالْعَدُوِّ
مِنْهُ ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَلُوذُبِرَسُول اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَقْرَبُنَاإِلَى الْعَدُوِّ ، وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ
بَأْسًا ،وَقِيلَ :
كَانَ الشُّجَاعُ هُوَ الَّذِي يَقْرُبُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِقُرْبِهِ مِنَ الْعَدُوِّ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً ، وَأَكْثَرَهُمْ عَنِالْعَوَرَاتِ إِغْضَاءً ،
قَالَ اللَّه تَعَالَى : إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَيُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي
مِنَالْحَقِّ
سورة الأحزاب آية 53 .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُعَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا ،وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا
عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ ، الْحَدِيثَ.
وَعَنْ عَائِشَةَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَهُ عَنْ أَحَدٍ مَا يَكْرَهُهُ ، لَمْ يَقُلْ
: مَابَالُ فُلانٍ
، يَقُولُ كَذَا ، وَلَكِنْ يَقُولُ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍيَصْنَعُونَ أَوْ يَقُولُونَ
كَذَا.
يَنْهَى عَنْهُ وَلا يُسَمِّي فَاعِلَهُ.
وَعَنْ أَنَسٍ فِي حَدِيثٍ ، أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ لا
يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ فَاحِشًا ، وَلا
مُتَفَحِّشًا ، وَلا سَخَّابًا بِالأَسْوَاقِوَلا يُجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو
وَيَصْفَحُ.
وَعَنْهَا : مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ.
وَرُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ كَانَ مِنْ حَيَائِهِ لا يَثْبُتُ
بَصَرُهُ فِيوَجْهِ
أَحَدٍ ، وَأَنَّهُ كَانَ يُكَنِّي عَنْ مَا اضْطَرَّهُ الْكَلامُإِلَيْهِ مِمَّا يَكْرَهُ ،
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأَوْسَعَ النَّاسِ صَدْرًا ، وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً ،وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً ،
وَأَكْرَمَهُمْ عِشْرَةً ، ، هَذَا مِنْ كَلامِعَلِيٍّ فِي صِفَتِهِ.
وَعَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ : زَارَنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
فَلَمَّا أَرَادَ الانْصِرَافَ ، قَرَّبَلَهُ سَعْدٌ حِمَارًا وَطَأَ عَلَيْهِ بِقَطِيفَةٍ ، فَرَكِبَ
رَسُولُاللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ : يَاقَيْسُ اصْحَبْ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَقَيْسٌ : فَقَالَ لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : " ارْكَبْ
" ، فَأَبَيْتُ ، فَقَالَ : " إِمَّا أَنْ تَرْكَبَ ، وَإِمَّاأَنْ تَنْصَرِفَ ،
فَانْصَرَفْتُ " ، وَفِي رِوَايَةٍ : " ارْكَبْ أَمَامِي، فَصَاحِبُ الدَّابَّةِ
أَحَقُّ بِمُقَدَّمِهَا ".
وَعَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ،أَنَّهُ مَا
دَعَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلا أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّاقَالَ : " لَبَّيْكَ ".
وَقَالَ جَرِيرٌ : مَا حَجَبَنِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِوَسَلَّمَ
مُنْذُ أَسْلَمْتُ ، وَلا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ ، وَكَانَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُمَازِحُ أَصْحَابَهُ ،وَيُخَالِطُهُمْ
، وَيُحَادِثُهُمْ ، وَيُدَاعِبُ صِبْيَانَهُمْ ،وَيُجْلِسُهُمْ فِي حِجْرِهِ ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْحُرِّ ،
وَالْعَبْدِ ،وَالأَمَةِ ،
وَالْمِسْكِينِ ، وَيَعُودُ الْمَرْضَى فِي أَقْصَىالْمَدِينَةِ ، وَيَقْبَلُ عُذْرَ الْمُعْتَذِرِ.
قَالَ أَنَسٌ : مَا الْتَقَمَ أَحَدٌ أُذُنَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيُنَحِّي رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَالَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ ، وَمَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ فَيُرْسِلُ
يَدَهُحَتَّى
يُرْسِلَهَا الآخِذُ.
وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ ،
وَكَانَيَبْدَأُ
مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ ، وَيَبْدَأُ أَصْحَابَهُبِالْمُصَافَحَةِ ، لَمْ يُرَ قَطُّ مَادًّا رِجْلَيْهِ بَيْنَ
أَصْحَابِهِحَتَّى
يَضِيقَ بِهِمَا عَلَى أَحَدٍ ، يُكْرِمُ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ ،وَرُبَّمَا بَسَطَ لَهُ
ثَوْبَهُ ، وَيُؤْثِرُهُ بِالْوِسَادَةِ الَّتِيتَحْتَهُ ، وَيَعْزِمُ عَلَيْهِ فِي الْجُلُوسِ عَلَيْهَا إِنْ أَبَى
،وَيُكَنِّي
أَصْحَابَهُ ، وَيَدْعُوهُمْ بِأَحَبِّ أَسَمْائِهِمْتَكْرِمَةً لَهُمْ ، وَلا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ ،
وَرُوِيَأَنَّهُ
كَانَ لا يَجْلِسُ إِلَيْهِ أَحَدٌ وَهُوَ يُصَلِّي إِلَّا خَفَّفَصَلاتَهُ ، وَسَأَلَهُ عَنْ
حَاجَتِهِ ، فَإِذَا فَرَغَ عَادَ إِلَىصَلاتِهِ ، وَكَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ تَبَسُّمًا ، وَأَطْيَبَهُمْ
نَفْسًا، مَا لَمْ يُنَزَّلْ عَلَيْهِ قُرْآنٌ ، أَوْ يَعِظْ ، أَوْ
يَخْطُبْ ،قَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَتَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا شَفَقَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَلْقِاللَّهِ ، وَرَأْفَتُهُ
بِهِمْ وَرَحْمَتُهُ لَهُمْ ، فَقَدْ قَالَ اللَّهتَعَالَى فِيهِ : عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْبِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ سورة التوبة آية
128 وَقَالَ : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ سورةالأنبياء آية 107 قَالَ
بَعْضُهُمْ : مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُأَنَّ اللَّهَ أَعْطَاهُ اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَائِهِ فَقَالَ : بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ سورة التوبة آية 128 وَمِنْ ذَلِكَتَخْفِيفُهُ وَتَسْهِيلُهُ عَلَيْهِمْ ، وَكَرَاهَتُهُ أَشْيَاءَ
مَخَافَةَأَنْ
تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ ، كَقَوْلِهِ : " لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَىأُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ
بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ ، وَخَبَرُ صَلاةِاللَّيْلِ ، وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْوِصَالِ ، وَكَرَاهِيَةُ دُخُولِالْكَعْبَةِ لَيْلا يُعَنِّتُ
أُمَّتَهُ ، وَرَغْبَتُهُ لِرَبِّهِ أَنْيَجْعَلَ سَبَّهُ وَلَعْنَهُ لَهُمْ رَحْمَةً ، وَأَنَّهُ كَانَ
يَسْمَعُبُكَاءَ
الصَّبِيِّ ، فَيَتَجَوَّزُ فِي صَلاتِهِ ، وَلَمَّا كَذَّبَهُقَوْمُهُ ، أَتَاهُ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ : إِنَّ اللَّهتَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ
،وَقَدْ
أَمَرَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ ،فَنَادَاهُ مَلَكُ الْجِبَالِ
وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ : مُرْنِيبِمَا شِئْتَ ، إِنْ شِئْتِ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ
،قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَلْ أَرْجُو أَنْيُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ
أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ ،وَلا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا
".
وَرَوَى ابْنُ الْمُنْكَدِرِ ، أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ ،
قَالَلِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَالسَّمَاءَ وَالأَرْضَ
وَالْجِبَالَ أَنْ تُطِيعَكَ ، فَقَالَ
: " أُؤَخِّرُ عَنْ أُمَّتِي ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ
يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ،قَالَتْ
عَائِشَةُ : مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ
إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا ، وَقَالَابْنُ مَسْعُودٍ : كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَيَتَخَوَّلُنَا
بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا.
وَرَوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ ، قَالَ : " لا
يُبَلِّغْنِي أَحَدٌمِنْكُمْ
عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا ، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْأَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا
سَلِيمَ الصَّدْرِ " ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَلَ النَّاسِ لِرَحِمٍ ، وَأَقْوَمَهُمْبِالْوَفَاءِ وَحُسْنِ
الْعَهْدِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ ، ثَنَا مُحَمَّد بْن
سِنَانٍ ،ثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ ، عَنْ بُدَيْلٍ ، عَنْ عَبْدِالْكَرِيمِ ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْحَمْسَاءِ ، قَالَ : " بَايَعْتُ
النَّبِيَّصَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعٍ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ،وَبَقِيتْ لَهُ بَقِيَّةٌ ، فَوَعَدْتُهُ أَنْ آتِيَهُ بِهَا فِي
مَكَانِهِ، ثُمَّ نَسِيتُ ، ثُمَّ ذَكَرْتُ بَعْدَ ثَلاثٍ ، فَجِئْتُهُ
فَإِذَاهُوَ فِي
مَكَانِهِ ، فَقَال : " يَا فَتَى ، لَقَدْ شَقَقْتَ عَلَيَّ ،أَنَا هَاهُنَا مُنْذُ ثَلاثٍ
أَنْتَظِرُكَ ".
وَعَنْ أَنَسٍ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إِذَاأُتِيَ
بِهَدِيَّةٍ ، قَالَ : " اذْهَبُوا بِهَا إِلَى بَيْتِ فُلانَةٍ ،فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةً
لِخَدِيجَةَ ، إِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّخَدِيجَةَ ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَهَشَّ لَهَا ،
وَأَحْسَنَالسُّؤَالَ
عَنْهَا ، فَلَمَّا خَرَجَتْ ، قَالَ : " إِنَّهَا كَانَتْتَأْتِينَا أَيَّامَ
خَدِيجَةَ ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإِيمَانِ
" ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ : إِنَّ آلَ
أَبِي فُلانٍ لَيْسُوا لِيبِأَوْلِيَاءٍ
، غَيْرَ أَنَّ لِي رَحِمًا سَأُبُلُّهَا بِبَلالِهَا
" ،وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ : وَفَدَ وَفْدٌ لِلنَّجَاشِيِّ ، فَقَامَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْدِمُهُمْ ، فَقَالَ لَهُأَصْحَابُهُ : نَكْفِيكَ ، فَقَالَ : " إِنَّهْمُ كَانُوا
لأَصْحَابِنَامُكْرِمِينَ
، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُكَافِئَهُمْ
".
وَلَمَّا جِيءَ بِأُخْتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ الشَّيْمَاءِ فِي
سَبْيِهَوَازِنَ ،
بَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ ، وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْمُقَامِعِنْدَهُ وَالتَّوَجُّهِ
إِلَى أَهْلِهَا ، فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَافَمَتَّعَهَا.
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ النَّاسِ
تَوَاضُعًاعَلَى
عُلُوِّ مَنْصِبِهِ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَأَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلكًا
، أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا ، فَاخْتَارَ أَنْيَكُونُ نَبِيًّا عَبْدًا ، فَقَالَ لَهُ إِسْرَافِيلُ عِنْدَ ذَلِكَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ
أَعْطَاكَ بِمَا تَوَاضَعْتَ ، إِنَّكَ سَيِّدُوَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُالأَرْضُ ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ
، وَخَرَجَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ،فَقَامُوا لَهُ ، فَقَالَ : " لا تَقُومُوا كَمَا تَقُومُ
الأَعَاجِمُ ،يُعَظِّمُ
بَعْضُهَا بَعْضًا " ، وَقَالَ : " إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ ،آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ
الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ
" ،وَكَانَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ ، وَيُرْدِفُ خَلْفَهُ ، وَيَعُودُالْمَسَاكِينَ ، وَيُجَالِسُ
الْفُقَرَاءَ ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ ،وَيَجْلِسُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مُخْتَلِطًا بِهِمْ ، حَيْثُ مَا
انْتَهَىبِهِ
الْمَجْلِسُ جَلَسَ ، وَقَالَ لامْرَأَةٍ أَتَتْهُ فِي حَاجَةٍ : " اجْلِسِي يَا أُمَّ فُلانٍ
فِي أَيِّ طُرُقِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ ،أَجْلِسُ إِلَيْكَ حَتَّى أَقْضِيَ حَاجَتَكِ " ، فَجَلَسَتْ
وَجَلَسَ ،وَكَانَ
يُدْعَى إِلَى خُبْزِ الشَّعِيرِ ، وَالإِهَالَةِ السَّنِخَةِ ،فَيُجِيبُ ، وَحَجَّ عَلَى رَحْلٍ
رَثٍّ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ مَا تُسَاوِيأَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ، وَأَهْدَى فِي حَجِّهِ ذَلِكَ مِائَةَ
بَدَنَةٍ ،وَكَانَ
يَبْدَأُ مَنْ لَقِيَهُ بِالسَّلامِ.
وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشَّافِعِيِّ ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍمُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ
مَاهَانَ ، ثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْدالرَّحْمَن بْنِ بَكْرٍ ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ ، عَنْ
سَعِيدٍ ،عَنْ
قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ
عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ
".
وَكَانَ فِي بَيْتِهِ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ ، يَفْلِي ثَوْبَهُ ،وَيَحْلِبُ شَاتَهُ ،
وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ ،وَيَعْلِفُ نَاضِحَهُ ، وَيَقُمُّ الْبَيْتَ ، وَيَعْقِلُ الْبَعِيرَ
،وَيَأْكُلُ
مَعَ الْخَادِمِ ، وَيَعْجِنُ مَعَهَا ، وَيَحْمِلُ بِضَاعَتَهُمِنَ السُّوقِ.
وَعَنْ أَنَسٍ : إِنْ كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِلَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهَا ،
وَكَانَصَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى الأَمِينَ قَبْلَ النُّبُوَّةِلِمَا عَرَفُوا مِنْ
أَمَانَتِهِ وَعَدْلِهِ ، وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِخُثَيْمٍ ، كَانَ يُتَحَاكَمُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلامِ ، وَقَالَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لِقُرَيْشٍ : قَدْ كَانَ مُحَمَّدٌ
فِيكُمْغُلامًا
حَدَثًا ، أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ،وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً ،
حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِالشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ ، قُلْتُمْ : سَاحِرٌ
، لاوَاللَّهِ
مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ : مَا لَمَسَتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ
لايَمْلِكُ
رِقَّهَا ، وَقَالَ : " وَيْحَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْأَعْدِلْ ؟ ".
وَعَنِ الْحَسَنِ : مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِوَسَلَّمَ
يَأْخُذُ أَحَدًا بِقَرَفِ أَحَدٍ ، وَلا يُصَدِّقُ أَحَدًاعَلَى أَحَدٍ ، وَكَانَ
أَوْقَرَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِهِ ، لا يَكَادُيُخْرِجُ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ ، وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِوَسَلَّمَ
يُحِبُّ الطِّيبَ وَالرَّائِحَةَ الْحَسَنَةَ ،وَيَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا ، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا ، وَمِنْ
مُرُوءَتِهِصَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيُهُ عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِوَالشَّرَابِ ، وَالأَمْرُ
بِالأَكْلِ مِمَّا يَلِي ، وَالأَمْرُبِالسِّوَاكِ ، وَإِنْقَاءُ الْبَرَاجِمِ وَالرَّوَاجِبِ ،
وَاسْتِعْمَالُخِصَالِ
الْفِطْرَةِ.
وَأَمَّا زُهْدُهُ فِي الدُّنْيَا وَعِبَادَتُهُ وَخَوْفُهُ رَبَّهُ
عَزَّوَجَلَّ ،
فَقَدْ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ فِينَفَقَةِ عِيَالِهِ ، وَكَانَ
يَدْعُو : " اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِمُحَمَّدٍ قُوتًا.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُعَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلاثَةَ أَيَّامِ تِبَاعًا مِنْ خُبْزِ بُرٍّ حَتَّىمَضَى لِسَبِيلِهِ ، وَفِي
رِوَايَةٍ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِمُتَوَالِيَيْنِ ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ : مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دِينَارًا ، وَلا دِرْهَمًا ، وَلاشَاةً ، وَلا بَعِيرًا ، قَالَتْ : وَلَقَدْ مَاتَ وَمَا فِي بَيْتِيشَيْءٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ
إِلَّا شَطْرَ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي ،وَقَالَ لِي : إِنِّي عُرِضَ عَلَيَّ أَنْ يُجْعَلَ لِي بَطْحَاءُ
مَكَّةَذَهَبًا ،
فَقُلْتُ : " لا يَا رَبِّ بَلْ أَجُوعُ يَوْمًا ، وَأَشْبَعُيَوْمًا ، فَأَمَّا الْيَوْمُ
الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ ، فَأَتَضَرَّعُإِلَيْكَ وَأَدْعُوكَ ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي أَشْبَعُ فِيهِ ،فَأَحْمَدُكَ وَأُثْنِي
عَلَيْكَ " ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُ هُوَ وَأَهْلُهُ
اللَّيَالِيَالْمُتَتَابِعَةَ
طَاوِيًا لا يَجِدُونَ عَشَاءً ، وَكَانَ يَقُولُ
: " لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا
، وَلَبَكَيْتُمْكَثِيرًا
" ، وَفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ : صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ ، وَقَالَتْعَائِشَةُ : كَانَ عَمَلُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ دِيمَةً ، وَأَيُّكُمْ
يُطِيقُ مَا كَانَ يُطِيقُ ، وَقَالَتْ
: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى
نَقُولَ لايَصُومُ.
وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُعَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَاسْتَاكَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ، ثُمَّ قَامَيُصَلِّي ، فَقُمْتُ مَعَهُ ،
فَبَدَأَ فَاسْتَفْتَحَ الْبَقَرَةَ ، فَلايَمُرُّ بِآيَةٍ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ ، وَلا بِآيَةِ
عَذَابٍإِلَّا
وَقَفَ فَتَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَمَكَثَ بِقَدْرِ قِيَامِهِيَقُولُ : سُبْحَانَ ذِي
الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْعَظَمَةِ ،ثُمَّ سَجَدَ وَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ ،
ثُمَّسُورَةً
سُورَةً يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَعَنْ عَائِشَةَ : قَامَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَالْقُرْآنِ لَيْلَةً ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
إِنِّيلأَسْتَغْفِرُ
اللَّه فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ
".