بسـم الله
الرحمـــن الرحيـــم
أخرج الإمام البخاري في صحيحه - كتاب الطب ( 50 ) – برقم 5766
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت
:
كان رسول الله سحر حتى كان
يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن – قال سفيان : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان
كذا – فقال : يا عائشة : أعلمت إن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ، أتاني رجلان ، فقعد
أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال الذي عند رأسي للآخر : ما بال الرجل ؟ قال : مطبوب 0 قال : ومن
طبه ؟ قال : لبيد بن أعصم رجل من بني زريق حليف ليهود كان منافقاً 0 قال : وفيم ؟
قال : في مشط ومشاقة – أي ما يغزل من الكتان - 0 قال وأين ؟ قال : في جف طلعة ذكر
تحت رعوفة – أي حجر في أسفل البئر
- في بئر ذروان ، قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى
استخرجه ، فقال : هذه البئر
التي أريتها وكأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين0 قال : فاستخرج 0 قال : فقلت : أفلا
أي تنشرت ، فقال : أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على أحد منه شراً
* قال ابن القيم - رحمه الله - : ( إن الذي أصابه هو مرض من الأمراض ، من جنس
الأسقام والأمراض الأخرى المعتادة ، التي أصابته صلى الله عليه وسلم وشفاه الله منها ،
ولا تقدح في نبوته ، لأنه بشر يجوز عليه ما يجوز على البشر من الأمراض ، مثل إغمائه
صلى الله عليه وسلم في مرضه ، وإصابته ، في غزوة أحد 000 الخ ، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من
صدقه ، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا ) 0
وقال أيضا : ( ولا عيب ولا نقص بوجه ما في ذلك ، فإن المرض يجوز على الأنبياء ، وهذا من البلاء الذي
يزيده الله به رفعة في درجاته ، ونيل كرامته ، وأشد الناس بلاء الأنبياء فابتلوا
من أممهم بما ابتلوا به من القتل ، والضرب ، والشتم ، والحبس ، فليس ببدع أن يبتلى
صلى الله عليه وسلم من بعض أعدائه بالسحر ، كما ابتلى بالذي رماه فشجه ، وبالذي ألقى
على ظهره السلا وهو ساجد وغير ذلك ) ( بدائع الفوائد – ص 224 ) 0
وقال : ( وهذا المرض " السحر " لا ينافي حماية الله لأنبيائه ،
فإنه سبحانه وتعالى كما يحميهم ويصونهم ويتولاهم ، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار
ليستوجبوا كمال كرامته ، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم ، وخلفائهم إذا أوذوا من
الناس ، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء فصبروا ، ورضوا وتأسوا بهم ، ولتمتلئ صاع
الكفار ، فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل ، والعقوبة الآجلة ، فيسحقهم بسبب بغيهم ، وعداوتهم
، فيعجل تطهير الأرض منهم ، فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله
بإيذاء أقوامهم ) ( بدائع الفوائد – ص
226 ) 0
* وقال – رحمه الله - : ( قالوا : فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا 0 فإن ذلك ينافي
حماية الله لهم ، وعصمتهم من الشياطين 0
وهذا الذي
قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم ، فإن هشاما من أوثق الناس وأعلمهم ،
ولم يقدح فيه أحد من الأئمة
بما يوجب رد حديثه ، فما للمتكلمين وما لهذا الشأن ؟ وقد رواه غير هشام عن عائشة 0 وقد اتفق
أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث ، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة
واحدة والقصة مشهورة عن أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء 0 وهؤلاء أعلم
بأحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيامه من المتكلمين ( بدائع التفسير – 5 / 407
) 0
* قال الحافظ بن حجر : ( وهذه - يعني ما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سحر وتأثير -
من أمور الدنيا التي لم يبعث من أجلها ، فهو في ذلك عرضة لما يعترض البشر كالأمراض
) ( فتح الباري – 10 / 227 ) 0
قال ابن قتيبة : ( أن ذلك لا ينكر على لبيد أن يضع السحر لرسول الله
صلى الله عليه
وسلم ، وقال : ليس هذا ما يجترّ الناس به إلى أنفسهم ، نفعاً ، ولا يصرفون عنها ضراً ، ولا
يكسبون به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثناء ، ومدحاً ، ولا حملة هذا الحديث
كذابين ، ولا متهمين ، ولا معادين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر أن اليهود
قتلت من قبل الأنبياء وعذَّبتهم بألوان العذاب ، وقتلت زكريا في جوف شجرة ، قطعته قطعاً بالمناشير ،
وقتلت بعده ابنه يحيى بقول بغيٍّ ، واحتيالها في ذلك ، وادعت اليهود أنها قتلت المسيح
وصلبته ، وقد سمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في ذراع شاة مشوية ، سمته يهودية
0 فقال : " ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري " فجعل الله
تعالى لليهودية عليه صلى الله عليه وسلم السبيل حتى قتله 0 ومن قبل ذلك ما جعل الله
لليهود السبيل على النبيين )
( تأويل مختلف الحديث – بتصرف واختصار – ص 168 ، 169 ) 0
* سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن سحر الرسول ومن
الذي سحره ؟؟؟
فأجاب -–حفظه
الله - : ( ثبت في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : سحر
رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى أنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي ،
لكنه دعا ودعا ، ثم قال : " يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه ،
أتاني رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ، فقال أحدهما لصاحبه : ما وجع
الرجل ، فقال : مطبوب 0 قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم 0 قال : في أي شيء ؟ قال : في مشط ومشاطة
وجف طلعة نخلة ذكر 0 قال : وأين هو ؟
قال : في بئر ذروان " فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه
فجاء فقال : "
يا عائشة : كأن ماءها نقاعة الحناء ، وكأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين " قلت : يا رسول الله أفلا
استخرجته 0 قال : قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس فيه شراً " فأمر بها
فدفنت 0 وفي رواية في الصحيح عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه
يأتي النساء ولا يأتيهن ، قال سفيان : وهو ابن عيينة الراوي : وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا ،
فذكر الحديث ، وفيه : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم البئر حتى استخرجه 0 وفيه فقلت
: أفلا تنشرت ؟ فقال : أما الله فقد شفاني 00 الخ 0 ورواه البخاري في الأدب ، وفيه
قالت : مكث النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتي
00 الخ ، ومنه يعلم أن السحر أثر فيه نوع مرض فيما يتعلق بالنساء ، وأن الذي سحره
رجل من بني زريق ، يقال له : لبيد بن الأعصم ، وهو من الخزرج ، ولكنه حليف لليهود ،
وقد روي أنه أسلم نفاقاً ، وذكر أنه عمل السحر بأمر من اليهود ، وكان ذلك لما رجع
النبي صلى الله عليه وسلم من
الحديبية ، وبعد أن دخلت سنة سبع ، وأن اليهود جعلوا له ثلاثة دنانير
، وفي رواية فأخذه النبي
صلى الله عليه وسلم فاعترف فعفا عنه ، وفي رواية فقال له : ما حملك على هذا ، قال : حب الدنانير )
( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن كيفية سحر رسول
الله صلى الله عليه
وسلم ، والكيفية التي عالج بها السحر الذي أصابه ؟؟؟
فأجاب - حفظه
الله - : ( وقع في الأحاديث أنه في جف طلعة ذكر ، تحت راعوفة في بئر
ذروان ، أي ذلك الساحر أخذ من
شعر النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في مشط ، وهو الآله التي يسرح بها الشعر وله أسنان
متساوية يدخل الشعر بينها عند كد الرأس أو اللحية ؛ وذلك الساحر جعل الشعر والمشط في جوف الطلع ، وهو
الغطاء المسمى بالكافور الذي يكون فوق الطلع عند خروجه من النخل ، أي أنه أخذ الشعر
والمشط وعمل فيه السحر ثم جعله في جف هذا الغشاء الذي هو جف طلعة النخل الذكر ، ووضعه
تحت راعوفة ، وهو الحجر الذي يوضع على رأس البئر لا يستطاع قلعه يقوم عليه المستقي ،
وقد يكون في أسفل البئر ، وقال أبو عبيد : هي صخرة تنزل في أسفل البئر إذا احضرت
، يجلس عليها الذي ينظف البئر ، أو هو حجر يوجد صلباً لا يستطاع نزعه فيترك ، ووقع
في رواية عن عائشة : فنزل رجل فاستخرجه 0 وفيه أنه وجد في الطلعة تمثالاً من شمع
، تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا فيه إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى
عشرة عقدة ، فنزل جبريل بالمعوذتين فكلما قرأ آية انحلت عقدة ، وكلما نزع إبرة وجد
لها ألماً ثم يجد بعدها راحة ، ووقع في حديث عن زيد بن أرقم عن عبد بن حميد وغيره : فأتاه
جبريل فنزل بالمعوذتين ؛ وفيه فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية ، فجعل يقرأ ويحل
حتى قام كأنما نشط من عقال ، ووقع في حديث عن ابن سعد : فاستخرج السحر من الجف من
تحت البئر ثم نزعه فحله ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويظهر من هذه
الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه ، وكرر الدعاء مراراً ، فأطلعه الله تعالى
على هذا العمل الشيطاني ، حيث نزل عليه ملكان ، وأخبراه بموضعه وصفته ، فكان لا
بد من إخراجه حيث ذهب وبعض أصحابه إلى تلك البئر فأخرجه وفرقه ، وحل العقد التي فيه
، حتى بطل أثره ، وأمر بالبئر فدفنت ، حيث أن ذلك السحر أثر فيها ، حتى كأن
ماءها نقاعة الحناء أي أحمر متغيراً ، وكأن نخلها رؤس الشياطين ، لأنه شرب من ذلك الماء
والله أعلم ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة )
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن أثر السحر في رسول الله صلى الله عليه
وسلم مع حصانته بالأذكار والأدعية والأوراد التي كان يحافظ عليها ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم معصوم فيما يبلغه من الرسالة وفي
عقله لا يصل إليه ما يغيره ، فأما بدنه فقد تصيبه الأمراض ، وقد يسلط عليه بعض
الأعداء كما حصل له أحد حيث شج رأسه وكسرت رباعيته ، وهشمت البيضة على رأسه ، وهذا
السحر من جنس ما كان يعتريه صلى الله عليه وسلم من الأسقام والأوجاع ، فإصابته بالسحر
كإصابته بالسم ، لا فرق بينهما ، مع أن هذا السحر لم يؤثر إلا في شهوة النساء ، وما
يتعلق بالجماع ، فقد وقع في بعض الروايات حتى إنه يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا
يأتيهن ، وفي لفظ : أنه يأتي أهله ولا يأتيهم 0 وهذا كثيراً ما يقع تخييله للإنسان
في المنام ، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة ، فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على
جسده وظواهر جوارحه لا على تمييزه ومعتقده ، ويحتمل أن يراد بالتخييل أنه يظهر له من
نشاطه ما ألفه في سابق عادته من الاقتدار على الوطء ، فإذا دنا من المرأة فتر عن
ذلك ، كما هو شأن المعقود ، ويؤخذ من مجموع الروايات أن هذا الساحر لم يؤثر في عقله
صلى الله عليه وسلم ولا في بدنه ظاهراً ، وأن التخييل الذي كان يخيل إليه لا يجزم
به ، وإنما هو من جنس الخواطر التي تخطر في البال ، ولا تثبت ، والظاهر أن
التأثير إنما هو في شهوة النساء وشأن الوطء ، ولهذا لم يتفطن له إلا زوجته ، ولم ينقل
أحد أنه أثر في ما يبلغه ، ولا في عبادته ومعاملاته ، فلا يستبعد أن يصيبه بقضاء
الله وقدره تأثير هذا العمل ابتلاء كما تصيبه الأمراض الكثيرة في بدنه ، فقد قال صلى
الله عليه وسلم " أشد الناس بلاء الأنبياء الصالحون ، ثم الأمثل فالأمثل " ( صحيح
الجامع 994 ) ، وإذا قدر الله شيئاً لم ترده الأوراد والأذكار والأدعية ، وليعلم
الخلق أنه بشر يصيبه ما يصيبهم ، وكما حصل للأنبياء قبله من الأذى والقتل والطرد
وإن كانت العاقبة للمتقين )
( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
وسئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن كيفية سحر الرسول صلى
الله عليه وسلم وهو الذي لا يضاهيه أحد في العبادة ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضره ذلك السحر
في بدنه الظاهر ولا في عقله وإدراكه ولا في دينه وعبادته ولا في رسالته التي كلف بإبلاغها ، ولذلك لا يستنكر
أحد من الناس شيئاً من سيرته
ولا من معاملته معهم في صلاته وأذكاره وتعليمه ، فعلى هذا إنما كان
أثر السحر فيما يتعلق بالجماع
مع النساء أو مع بعض نسائه ، ولهذا لم ينقله سوى عائشة ، وقد ذكر أنه كان يخيل إليه أنه يأتي
النساء وما يأتيهن ، وهذا القدر لا يؤثر في الرسالة وهو من قضاء الله وقدره لحكمة أن
الله قد يبتلي بعض الصالحين كالأنبياء فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل والله أعلم
( للامانة الموضوع منقول