لو تسنى للجزائريين وضع ترتيب لأفضل النكت المتعلقة بالاقتصاد لجاءت نكتة ميترو الجزائر في الصدارة، كيف لا وهو المشروع الذي ولد عملاقا وظل ما يقارب ثلاثة عقود لا يعرف معنى النضج·
بداية المشروع كانت مطلع الثمانينيات وبالضبط عام 1983، حيث تقرر في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد الشروع في تجسيد المشروع الذي كان مجرد فكرة في عهد الرئيس الهواري بومدين· لكن تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية أجل تنفيذ المشروع، سنوات بعد كانت الحجة المقدمة لكل من يسكن ويرتاد العاصمة، عدم الاستقرار السياسي، بعد ذلك موجة العنف التي غيرت الأولويات· وحين عاد الاستقرار الأمني وتوفرت الأموال كانت الحجة المقدمة عدم توفر الشركات الوطنية على الخبرة في إنجاز مثل هذه المشاريع· وحين فازت المؤسسات الأجنبية بالصفقة، كانت حجج أخرى من نوع: الطبيعة التبوغرافية الصعبة للأرضية، الحصول على المخططات الأصلية للطبقات السفلى للعاصمة··· وغيرها من المبررات اللامتناهية، آخرها تلك المتعلقة بالرشاوى والصفقات المشبوهة التي سمحت بالتلاعب بميزانية المشروع ومن ثمة تأخيره· على هذا المنوال، شهد المشروع تعاقب خمسة رؤساء بداية من بن جديد وصولا لبوتفليقة· هذا الأخير الذي راهن على إطلاق ميترو الجزائر خلال عهدته، فكانت بداية جديدة لضخ الأموال· فقد عمل الوزير الراحل محمد مغلاوي على تدارك التأخر الرهيب وبعث المشروع، الذي قيل عنه أنه سيكون ثاني أكبر ميترو في إفريقيا بعد ميترو القاهرة· ولعل مرحلة الرئيس الحالي من أكثر المراحل التي شهدت عودة الحديث عن الميترو، على اعتبار اقتراب موعد التسليم، الذي انتقل من 2008، 2009، 2010 لتأتي تأكيدات عمار تو، وزير النقل الحالي على تسليم الجزء الأول من الميترو نهاية السنة الحالية، في الوقت الذي تأتي فيه تأكيدات الخبراء أنه بالنظر لوتيرة فضائح الفساد فإن التسليم الفعلي لن يكن قبل سنة .2011 بالرغم من التقدم المنجز خلال الفترة الأخيرة، حيث تم التعاقد مع المؤسسة الفرنسية لتسيير الميترو لمدة ثماني سنوات مقابل مبلغ قدر بـ 130 مليون دولار· وبالفعل، كان الاعتقاد السائد أن قروب موعد الإطلاق الفعلي للميترو بات يحسب بالأشهر، فقد سارعت الشركة الفرنسية المسيرة في تنظيم دورات تكوينية للطاقم البشري العامل في محطات التسيير، أكثر من ذلك تم توظيف أعداد من الموظفين لهذا الغرض· لكن خيبة الأمل كانت أسرع في احترام الموعد الذي ألفته، فقد تأخر مرة أخرى أجل التسليم، ما سبب في طرد كل من تم توظيفهم، إذ لا يعقل أن يدفع رواتب لمن لا عمل له· تحول الحديث عن الميترو العاصمي تاريخ تسليمه للحديث عن فضائح الفساد المالي، الذي أرجع المشروع لنقطة البداية بعد ما يقارب ثلاثين سنة من بدء الحديث الأول عن الميترو الذي من شأنه فك الخناق عن العاصمة، حين كانت العاصمة لا تتجاوز كثافتها السكانية المليون شخص· في الوقت الذي بلغت فيه اليوم ثلاثة ملايين عاصمي، يظل سكان العامة في انتظار تنفيذ وعود السلطات في تسلم واحد من أكثر ميتروهات العالم تطورا·
يوجد مدير التخطيط بوزارة النقل (س· ح) رهن الحبس المؤقت، بأمر من قاضي التحقيق لدى محكمة الامتياز القضائي بسيدي امحمد، منذ أكثر من شهرين في قضية خاصة بالفساد، تتعلق بإبرام صفقة مشبوهة مع شركة ''سيمنس'' الألمانية التي فازت عام 2006 بصفقة تجهيز ميترو العاصمة، فيما يوجد مدير ميترو الجزائر رهن التحقيق القضائي في هذه القضية·
وكانت شركة ''سيمنس'' قد ظفرت في سنة 2006 بصفقة تجهيز ميترو العاصمة بعد أن تفوقت على الشركة الإسبانية ''كاف'' والفرنسية ''فيتشي''، ووصلت تكاليف المشروع إلى حوالي 386 مليون دولار·
وقد تولى فرع ''سيمنس'' الباريسي المسمى transportation Systems ، إنجاز الجوانب التقنية في هذا المشروع مثل تقنية النظام والإشارات والضوء والاتصالات، والإلكترونيات الخاصة بتسيير القطارات والآلات الإلكترونية الخاصة باقتناء البطاقات ورسوم وخرائط شبكة الميترو، وتبلغ تكاليف هذه التجهيزات حوالي 157 مليون دولار، وتعتبر الحصة الأكبر في المشروع، وقد عرف مشروع ميترو الجزائر تأخرا كبيرا في الإنجاز، فبعدما كان مقررا تدشينه بداية الصيف الماضي، قدم وزير القطاع موعدا آخرا هو نهاية العام الجاري·
ويواصل قاضي التحقيق على مستوى قطب الامتياز القضائي بسيدي امحمد الاستماع إلى عدد من إطارات وزارة النقل يشتغلون في دوائر مختلفة، لها صلة بإنجاز مشاريع الميترو والترامواي التي تعرف تأخرا كبيرا في الإنجاز، كما ستطال التحقيقات عددا من المقاولات التي أشرفت على إنجاز مشاريع عن طريق المناولة· (منقول)