سلسلة تاریخ عین صالح

رحلة الی الصحراء الوسطی
1874 - 1873
السید: بول سولیلیت

المجتمع الجغرافي الذي نظم بمدینتنا کان من مهمته الأساسیة التعاون والتنسیق بین البرنامج التجاري و البرنامج الجغرافي

وعلی هذا الأساس تقدمت الی المؤتمر العلمي المنعقد في أوت 1872 بینما هو في مهده وهو الدور الخاص ولیس الحصري الذي أعطاه إیاه المحترم الأمین العام للمجتمع الجغرافي لباریس السید مونوار في تقریره الأخیر (1).

ومن هنا نفهم الفائدة من عرض و دراسة مجتمع لیون الرحلة التي قام بها السید بول سولیلیت الی الصحراء الوسطی هذا المستکشف الجريء الذي تقدم مخاطراً بنفسه حتی وصل الی جدران عین صالح (27 درجة علی خط العرض الشمالي ) وللأسف لم یتمکن من الدخول الیها .

لم یتمکن أي من المستکشفین الجدد من التوصل الی نتیجة أفضل من هذه وتقدیم الی الأعضاء العدیدین للمجتمع الجدیدة فکرة دقیقة عن هذا الفرع الخاص من الجغرافیة والمعروف بإسم الجغرافیة التجاریة .

من وقت أصبحت الصحراء الوسطی موضوع حرب هادئة وهذا صحیح وهي أکثر حیویة عند الشعوب التجاریة الأروبیة فکل منها یسعی الی السیطرة علیها ووالإستئثار بالنفوذ علیها وفتح تیار عملیات من المستحیل إهمال أهمیته وحاصة بعد وجود مشروع إعادة بعث وتفعیل البحارالإفریقیة الداخلیة إسترجاع بهذه الطریقة نشاطها و حیویتها السابقة

ومتباعة هذا الهدف أصبح أکثر حویة ما جعل مستعمرتنا في الجزائرأحسنت فعلاً حیث کانت تری فیه أنه سیصبح في ما یوماً قوتها و حیویتها ، وکنا نقول لزمن طویل أن هذا الملک سیبقی عقیم بین أیدینا ، کما قمنا بتعطیل قوی منتجة ، لکن المبررات تتلاشی أمام الوقائع البدیهیة والأرقام الإجابیة و علی هذه الأرضیة کانت إرتکزت الدعایة الکبری لباریس ، فقام السید بول لوري بولي بوضع في المقتصد الفرنسي مساعدة عمل مقارن بین تطویر المتستعمرات البریطانیة والجزائر والتي لم نحمر لجعلها إنتاجیة ، لکن زیادة علی ذالک یإسنا من مستقبلها وقد بلغ رقم التبادلات في 1873 الی 360 ملیون حیث کان عندنا إرتفاع استثنائي في الأرقام لکي نتمکن من قبول بسط سیطرتنا . فمعاودة القیام بإستکشافات علمیة وتجاریة في الصحراء الوسطی تبعاً لما قام به السیدان هنري دفیري و جرار رولف والسید دورنو دیوبیري الذي قتل للأسف قرب أغدامس ، فعلینا إذاً العمل من أجل تقویة نفوذنا علی المناطق المجاورة مباشرةً لمستعمراتنا أي ضواحیها وإذا أمکننا إستعمال هذه الکلمة لأن الشعوب المقیمة بها یأتون للتمول من الجزائر وإذا لا یأتون فخوفاً من أن یفقدون حریتهم .

کما أنه علینا أن نتقوی ضد التیارات الأخری التي تنافسنا خاصة الأنجلیز الذین یبحثون عن أعذار للوصول الی مقادور، تونس ، وطرابلس .، وأخیراً القیام بخطوی وخطوی ذات دلالة في الطریق الذي یربط الجزائر بمستعمراتنا فی السنغال ، ونحن نعلم أنه لبلوغ هذا الهدف یجب المرور بجملة من المراحل : لغواط ، المنیعة ، عین صالح ، تمبوکتو ، النجر ، فالنقطتین الأولتین لا تشکلان خطورة حقیقیة ، وحتی الطریق الی عین صالح فهي معلمة لکن یبقی النقطاتان الأخیرتان یمکن الوصول الیهما بسهولة لو توطدت علاقتنا مع عین صالح .

مخطط الرحلة مأخوذ من تقریرالسید بول سولیلیت الذي قدمه الی غرفة التجارة بالجزائر في المحاور التي تدخل في إطار الجغرافیة التجاریة و توضح لقراء هذه المجلة النتائج النهائیة لهذا الإستکشاف

وفي الواقع إذا أخذنا فرجار(مدور) ونأخذ عین صالح کمرکز ونرسم دائرة تلامس بمحیطها السواحل الشمالیة الشرقیة والشمالیة والغربیة لإقریقیا وجزء من إفریقیا الوسطی والنقاط الأساسیة الأربعة الموجودة علی هذا المحیط تمثل الجزائر شمالاً ، و تنبوکتو جنوباً ، و طرابلس في الشرق و في الغرب مقادور والکل یوجدون علی نفس المسافة من عین صالح .

هذا الموقع الممیز لفت إنتباهی مباشرةً ویشرح السبب الذي جعل من توات أن تکون نقطة إلزامیة یتم فیها کل عملیات العبور بین وسط إفریقیا و سواحل إفریقیا الغربیة

إذاً هي النقطة التي یجب التوجه الیها ، ووقوفاً عند هذا التفکیر کان علیا أن أتفق مع رأي الرجل الذي لا یمکن التشکیک في قدوراته ، فقد قال العقید میرشل في ما یخص موضوع توات (مهمة غدامس ص 36) « إذا ألقینا نظرة علی خریطة إفریقیا الوسطی نجد أن الطریق الطبعیة من الجزائر الی السودان تمر بأقلیم وحات توات سوی کنا نرید الوصول الی تنبوکتو أو کنا نرید الوصول الی کانو أو أسواق الهوصة الأخری التي کانت تتبع بقوی سابقاً ، وإزدهار ورقلة القدیم یشهد علی الفوائد التي کان یجنیها السکان من التیار التجاري بین إفریقیا الوسطی وإفریقیا الغربیة » .

الدکتور بارت قدر بالطزیقة التالیة مکانت توات فیما یخص التجارة (رحلة استکشاف في افریقیا الغربیة والوسطی دهنری بارت ص .107 t: IV)

« توات بإمتدادها من الشمال الغربي ، تفیلالة أو سجلماسة في القرون الوسطی تشکل الوسط بین هذه الأراضي الخصبة و الشمال و اللمر یتعلق بتنبوکتو و ولاتة أو غناتة کل هذه الناحیة تشکل دائماً مستودع تجاري کبیرما دامت الشعبوت تعمل علی ربط العلاقات الدولیة وتبادل منتجاتهم فیما بینهم . »

لقد بقیت توات دائماً مغلقة في وجه الأوروبیین ویجب إجاد السبل لدخولها وقد بذلت کل الجهود عند إقامتي بالأغواط لهذا الهدف، وزاد السید سولیلیت وهو ثابت علی وجهة النظر العامة علی الرحلة:

« لضمان نجاح المؤسسة یجب أن یرفع عنها کل صفة سیاسیة أو عسکریة أو دینیة فیجب أن تکون تجاریة محضة وخالیة من کل خلفیة فکریة کربط الخیوط المقطعة منذو زمن بعید بین الشمال والوسط الإفریقي .»

یجب الوصول الی توات وحمل عینات من السلع المصنعة فرنسیاً و توفیر لهذه البلدان سلع متشابهة بالتي توفرها لهم التجارة الخارجیة والترکیزعلی الأسعارالمحفزة والمطلوبة من هذه التجارة و أیضاً جلب من هذه البلدان عینات من المنتجات التي قد تستعمل في تجارتنا وفي صناعاتنا و توفیر أسعار محفزة لنفس السلع التي توفرها التجاریة الخارجیة

والذي یجب خاصة الحصول علیه هو إحضارأوإقناع بعض المبادلین التجارین بإحضارعینات من سلعهم بأنفسهم وعرضها بالجزائروالإتفاق مع المتابدلین التجارین من مستعمراتنا

وما أن یتم تطبیق هذا المخطط فالعلاقات المباشرة تخیف الفکرالعربي ففکر السید سولیلیت في تسهیل الأمرعلیهم والوسیلة التي أراد إستعمالها لذالک تبدو ذکیة أکثر من ما هي تطبیقیة وهي إنشاء مستودعات تجاري بالأغولط .

وهذا المشروع الذي قمت بدراسته بنفسي یرمي الی بناء مراکز تجاریة بالأغواط حیث تتم بها کل التبدلات التجاریة مع تجارة الجنوب فإنشاء سوق بالأغواط حسب ما أری یمکن أن یحقق الهدف فموقع الأغواط علی إرتباط مباشرمع البحرعبر طریق الجزائر ومع توات عبر طریق مزاب ، المنیعة عین صالح مع تعیین هذا الموقع للمشروع الذي أحتفط به من أجله .

فالأغواط دوناً عن سواها في ما یخص التجارة مع بلدان داخل إفریقیا لها موقع إستثنائي تماماً فکل القوافل القادمة من أقادیز ببلاد الهوصة والقادمة من غات ومن تمیمون بتوات والتي ترید الوصول السریع والآمن الی البحر علیها المرور بهذه النقطة ، فکان المشروع یرتکز علی إنشاء مستودعات جنوب ممتلکاتنا وأضرب علی ذالک مثلاً أن أحد سلاطین فاس لما وجد أنه خسر التجارة في بلدان الجنوب تنقل الی غدامس بطرابلس بفکرة أقامة مستودعات تجاریة بها یقصدها سکان الجنوب لتبادل منتوجاتهم فیتفادون تضیع الوقت ومصاریف النقل المعتبرة، فقام بإنشاء بلدة مرزوق التي إلتهمت الیوم جزء من التجارة التي تمر قدیماً الی غدامس فلماذا لا نفعل ما فعله سلطان فاس ونقوم بإستحداث مستودعات فی مناطقنا.

لتطبیق هذا المخطط إنطلق السید سولیلیت من الجزا ئر یوم 29 دیسمبر 1873 لیصل دون أي حادث یذکر الی الأغواط یوم 11 جانفي 1874 بعد أن أقام بها لفترة قصیرة وصل الی غردایة یوم 29 حانفي ثم الی متلیلي یم 02 فیفري ، راجیاً أن یلتقي صدیقه السید دورنو دوبیري بورقلة التي وصلها بعد أن غیروجهتة قلیلاً یوم 09 فیفري فالمعلومات التي الوفیرة التي جمعها سولیلیت عن هذه المنطقة وحرکتها التجاریة تأکد ما قاله السید دورنو دوبیري سابقاً کأننا نعید ما قاله تماماً.

کانت ورقلة قبل قرن مضی مرکز تجاري تحتوي علی مستودعات کثیرة تتم بها تبادلات تجاریة بشکل دائم من أقادیزو السودان وبها شعوب کثیرة ومتنوعة ومختلفة ، منقسمة الی أربع فروع وکلها بربریة والتي هي موجودة حتی الی یومنا هذا وهي بني مزاب، بني براهیم ، بني سیسین وبني ویقان ، و إنحراف التیار التجاري یؤدي الی مشادات و مواجها بین مختلف فروع ورقلة بالإضافة الی التوارق وأقادیز وحکامهم فقد حولوا هذه المنشآت الی أطلال بعد ما کانت مزدهرة بالتجارة والقوة و الغنی فإلی وقت غیر بعید کانت ورقلة وأقادیز تحتفظ ببعض التقالید والسلطات وأنتهت بفقدان کل إزدهارها التجاري السابق. وتقلص سکان هذه المواقع فورقلة لا یتجاوز عدد سکانها 5000 الی 6000 نسمة ، فتأکید السیطرة والحکم الفرنسي علی هذه المناطق ساعد علی بدایة خروجها من ثباتها العمیق وذالک للحکم الرشید لإبن إدریس الذي هو منذو عامین أغا ورقلة فهذه المدینة کأنها تبعث من أطلالها فالقصبة الیوم هي في إطار الترمیم ، والسوق المغلق المحاط بأقواس یشهد حرکة تجاریة مهمة بمنتجات البلاد المحلیة و المکون أساساً من الحایک والخیط و القطن مع قبعات وأغراض وسلال مصنوعة من سعف النخیل والبرانیس و التمور .

وتتوفر ورقلة علی الأغنام و الإبل إلا أن الأغنام التي تباع في الجنوب أسعارها مربحة فحتی في ورقلة ثمنها لا یتعدی 30أو25 فرنک ، والجمال تجارتها مهمة جداً بورقلة فثمنها یتراوح بین 200 الی 300 فرنک کما هناک أنواع کثیرومختلفة من الجمال والمهري المعدة للسباقات وهذا النوع المطلوب جداً ذو قیمة مهمة وسعرالمهري لا یقدربالمال بل یقام بمقایضته بجملان أو ثلاثة أو خمسة وقد یصل الی عشرة جمال وهذه الطریقة لتقیم المهري أثرت علی سرعة تداول هذا النوع من الإبل في السوق ، فمهري مقابل ثلاث أو أربع أو سبع أو ثمانیة أو عشرة جمال لا یعني بالضرورة ما نعتقده عموماً أن بیعه وحده یمکن یربح في السوق في یوم واحد ما یربحه بیع العدد المقابل له من الجمال ، أي أن قیمته هي قیمة ثلاثة أوخمسة أو عشرة جمال هذا إعتقاد عام علینا تصحیحه .

وکان هناک دائماً زراعة القطن بورقلة لکن إزدهرت کثیر تحت حکم بن إدریس حیث قام بنفسه بإنشاء مزرعة ببامندیل ذات إنتاج مهم وبطریقة منظمة ویفکر بن إدریس في حفر أبار إرتوازیة کثیراً تسمح بإستغلال أراضي کبیرة بالمنطقة ، کما أن هناک تبادلات کبیرة بین السکان وبني مزاب تتم في الدکاکین الموجودة بالقصوروالمتجارة بالسلع الأوروبیة کالقماش والسکر والقهوة ...الخ ، وکان بن إدریس یشتکي من الصعوبات التي تعترض هذه المنتجات للوصول الی ورقلة ، ویضطر سکان ورقلة للتزود بهذه السلع قصد أسواق غردایة أو بني یزقن حیث یحملون الیها التمور والطرونییة لمقیضتها بهذه المنتجات

الطرونیة هي نوع من الملح نحصل علیه بحرق نبات البلبل وغسل رماده وهي نبتة معروفة کثیراً في الصحراء مشبعة بالملح

فسکان نقوسة الواقعة شمال ورقلة بالقرب من سبخة سفیون یحترفون صنع الطرونیة المستعملة بشکل کبیر في الجزائروالتي تصل حتی المدیة حیث تستعمل من طرف الصباغین المحلیین وقد قمت بإرسال عییبة من هذا المنتوج الی الغرفة التجاریة لتحلیله ، فهناک مساحات کبیرة في أرض الصحراء مغطات بهذا النبات البلبل ما جعلني أعتقد أن صناعاتنا یمنکها الإستفادة من صناعة الطرونیة وتسمح بإنشاء مؤسسات صناعیة بالجزائر کصناعة الصابون ، والشمع ، الاستیارین ، حیث یوجد هنا کل المواد الأولیة الضروریة لهذه الصناعات ، ومن المکن أن الطرونیة بالطریقة التي یصنعها سکان نقوسة لیست ذات نوعیة جیدة ، لکن بإمکانیاتنا المتطورة یمکن أن نصنع إنتاج بنوعیة جیدة ینافس المنتوجات من نفس النوع القادمة من أوروبا

هناک سوق فرنسیة بورقلة تحت حمایة بن إدریس تباع فیه السلع الأروبیة القادمة عموماً من قسنطینة و بسکرة ، و القوافل التي کانت تأتي بکثرة الی ورقلة بدأت في الظهور شي ء فشی ء وهناک حتی من تأتي من الهقار وعین صالح ولقد وجدت عند بعض المستودعات سلع أوروبیة موجهة الی الحاج عبدالقادر باجوده من أولا باحمو من عین صالح والمرسلة له من طرف بن إدریس بإنتظارالقوافل القادمة من هناک .

إن إلحاق ورقلة بمحافظة الجزائریمکن أن یکون له أثر کبیر فی إزدها هذا القصر وقد تساهم الطریق المدروسة مسبقاً بین الأغواط و ورقلة مروراً بلقرارة في تذلیل الصعوبات الجدیة التي تعترض وصول السلع الأوروبیة بالتقلیل من السعر والوقت والتعب عند التزود بها من بسکرة و قسنطینة ویستفید إقتصاد ورقلة من ربح الوقت و نفقات النقل .

وقد کانت إدارة بن إدریس لورقلة مفیدة جداً للبلاد حیث وضعها علی طریق التطور و الإزدهار وبعد عملیة إلقاء القبض علی بوشوشة الناجحة بالمساعدة الفعالة والجريئة من طرف السي السعید أخ الأغا بن إدریس کان لها دور في إستتباب الأمن في الطرق وعودة القوافل والمبادلات التجاریة الی ورقلة .

وفي علاقاته مع عین صالح کان یتحدث عني مرات عدیدة لأصحابه وعن مشاریعي وکان دا ئماً یربط إسمي بکلمة مملوک وتعني (أي الرجل الذي یلتزم بعادات وتقالید وحیاة العرب والذي یجب أن لا تفرض علیه الأتاوات المفروضة علی المسیحیین و الیهود ) وأخذاً بنصیحته أن هذا اللقب مملوک سیفیدني کثیراً في رحلتي قمت بتغیر ختمي من سولیلیت المقایض وأضفت الیه کلمة المملوک سولیلیت المقایض وهذه الکلمات التي تمثل الختم هي إجابة قطعیة علی کل الأشخاص اللذین یدعون أني خلال رحلاتي کنت أتظاهر أني رجل سیاسة .

ومن ورقلة عاد السید سولیلیت الی متلیلي لکن علینا قبل هذا الإشارة الی أمر مهم : وهو أن کل أوروبي یرید التوغل في الصحرا ء لن یتمکن من ذالک إلا إذا کان مرتکزاً علی دعم شخصیة قویة ذات نفوذ کبیر إجتماعي أو دیني ورحالتنا لم یکن لیهمل أمر مهم کهذا بل أستعد له وکان بین أیدي أمینة ویقول في ذالک :

بعد جولة قمت بها الی بني مزاب تأکدت أن أحمد بن أحمد هو أحد الشخصیات الأساسیة لشعانبة متلیلي له سلطة کبیرة علی أهل قورارة و أولاد باحمو حیث نظراً لقوته وشجاعته الشخصیة یحضی بتقدیر کبیروتعتبر عا ئلة أحمد الذراع الأیمن لأولاد سیدالشیخ الذین لهم تأثیر ونفوذ علی کل الصحرا ء و إفریقیا الوسطی .

قطعت هذه المسافة للبحث عن علاقات تفیدني في رحلتي ، بني مزاب ،جبل عمور، شعانبة ، وکنت ملحق کشاوش دروقمان بالمسمی محمد بن أحمد بن لروي من أولاد بن أو من الأغواط الذي رغم الأخطأ التي لاحظتها فیه فقد قدم لي خدمات معتبرة إثناء رحلتي وقد تمنکت بواسطته وبفضل زکائه الی ربط علاقة صداقة وطیدة مع أحمد بن أحمد التي لم تتغیر أبداً ولأنه کان معروفاً جداً من أحمد تکلم معه لمرات عدیدة عن مشروعي السلمي حتی جعله یهتم الیه وعندما سافر معمر إبن أحمد الی الأغواط قام محمد بإستضافته والإعتناء به کإبن أحد أصدقائي وهذا ما ساعد علی توطید العلاقة بیني وببن والده وکان محمد یبذل کل ما بوسعه لمساعدة معمر وحدثه مرات عدیدة ومطولاً عن مشاریعي حتی تمکن من إقناعه وعندما عاد معمر الی الشعانبة بمتلیلي لم یعرض علیا أحمد بن أحمد أن یحمیني في رحلتي کما فعل الشیخ خنوخن مع السید هنري دوفیري بل عرض علي أن یقودني بنفسه فی رحلته

وعلی هذا قام السید سولیلیت بتنظیم رخلته الی عین صالح یوم 18 فیفري 1874 .

القافلة مکونة من الأشخاص التالیة : محمدالجیلالي بوحفص وهو یرافق أحمد بن أحمد و أخواه عبدالقادر وموسی ومعهم أخیهم الصغیر إبن إثناعشر ربیع أخذوه معهم لیتعلم الطریق وخادم وحارس للجمال وشریف من تفیلالت وهو طبیب تعرفت علیه بمتلیلي مولاي محمد و طلب الإنضمام الینا فسمحت له بذالک ، والحرس المرافق متکون من أربعة عشر فارس جاء بهم أحمد بن أحمد

فالیوم 19 فیفري یبدأ أول یوم في الرحلة الحقیقیة رغم المخاوف والإ حتیاطات والتحفظات والتي تم تجاورها ، وأخیراً سأتمکن من الوصول الی أبواب عین صالح و إنجاز المهمة الموکلة إلي وتحقیق أحد أمنیاتي الصعبة بل الأصعب

إذاً سأدخل في المجهول وأقطع الطریق التي قطعها أوروبي واحد قبلي وهو السید هنري دوفیري وهو الذي طلب منه المجتمع الجغرافي تزویدي بتوصیات کانت مفیدة لي طول رحلتي فقد واجه مخاطر صعبة وجدیة تمکن من النجاة منها بالفرار من الصعبات التي کان م غیر ممکن تحملها .

عند وصولنا الی المنیعة یوم 24 فیفري وجد الرحالة أخبارغیر مشجعة علی بلوغ الرحلة نهایتها ، حیث أکدت لنا القافلة القادمة من أوقروت أن بعد توجه بوشوشة الی الشمال مصحوب بمجموعة من البربرمکونة من 80 الی 100 جمل من کل النواحي فهناک خطر کبیر في تجاوز المنیعة النقطة التي قد یلجأ لها بعض هذه المجموعات ، وهذه القافلة تابعة للحاج حمد وهو شعانبي موضحي الذي أعرف ولداه اللذان یقودان القافلة وقد أخبراني نفس المعلومات .

بدأت عزیمة الرجال تنقص فبالأمس لم یسیروا سوی تحت التهدید بأن أقتل أي واحد یرفض السیر ، فهذه المعلومات الواردة من مصادر مختلفة هي علی قدر کبیر من الصحة ولا یمکن أن لا یکون هناک أي شيء صحیح في کل ما ترویه القوافل القادمة من قورارة والتي تحذر کل القاصدین لهاته الوجهة .

الأمر أصبح خطیراً جداً فإما علینا البقاء بالمنیعة أو مواصلة طریق الرحلة التي برمجناها وهذا أصبح مستحیل مع هاولائي الرجال الخائفون الذین یحیطون بي فهذا یزید من خطورة الأمر إذا کان موجود أصلاً بالإضافة الی خسارة کل ما تتکون منه القافلة ، فقررت إذاً ترک متاعي والقافلة بالمنیعة و التوجه وحدي الی عین صالح حاملاً معي الرسائل والهدایا الی الحاج عبدالقادر ولد باجودة قائد کما ذکرت سابقاً أحد أکبر العائلاتان نفوذاً وتأثیراً بهذه المدینة .

فأخبرت أحمد بمشروعي فوافق و عرض علیا أن یرافقني بنفسه مع أحد خدمه للننطلق غداً 26 فیفري علی المهاری التي تمکنا من قطع الطریق التي تفصلنا عن عین صالح

وفي یوم 27 فیفري قمنا بتحضیر المهاری التي ستحملنا الی عین صالح وحملنا علیها المؤنة من تمروسکر وقهوة التي یتکون منها زادنا حتی نصل عین صالح وهي تکفي لمسیرة خمسة عشر یوم کما قمنا بتفقد أسلحتنا وتعلیق بنادقنا وسیوفنا علی راحلاتنا ، وکنت أحمل معي بندقیة من إثنا عشرطلقة مع حراطیشها وذخیرتها و ومسدس من ذهب کنت أنوي أن أقدمهم الی الحاج عبدالقادر ولد باجودة وأیضاً مسدس من ذهب الی أخیه ، وعلی الساعة العاشرة رکبنا علی رحالنا وإنطلقنا جنوباً مغادرین المنیعة ولتفادي کل المخاطر المحتملة تجنبنا الطریق المعهودة للقوافل وسرنا شرقها ومرالنهار بدون أي حادث یذکر وسرنا بسرعة حتی وصلنا عند غروب الشمس واد فرنته وقضینا اللیل به، وعند الثالثة قطعنا منطقة العرق والذي یمکن تأکیده أن في مناطق جنوب وهران وقسنطینة کما لاحظه السادة بودربة ودوبینومان وهنري دوفیري، ومرشل و ..الخ بالنسبة للجهة الشرقیة والدکتور بول ماري، وکولینیو ، وکلومب ، وویمبفن، ودستوق بالنسبة للجهة الغربیة أن هذه المنطقة لا یمکن قطعها إلا خلال عدة أیام .

وبعد مسیرة یومین کتب السید بول سولیلیت یوم 01 مارس :

في مختلف المخیمات التي أقمنا بها في طریقنا منذو إنطیقنا من المنیعة لم نصادف أي نقطة ماء ولم نمر في طریقنا بأي بئر وهذا لا یجعلنا نعتقد أن هناک جفاف تام بهذه المناطق لکن علیا التذکیر بأننا إتبعنا طریق غیر التي تتبعها القوافل عادة ، والودیان التي نمربها والملیئة بالعشب تدل علی وجود الماء بهذه المنطقة وطریق القوافل التي نتجنبها إحتیاطاً من حدوث أي مکروه معلمة بأبار الماء علی جوانب الأودیة التي تمر بها . و من 01 الی 05 مارس کنا نسیر في هضبة مستقیمة موحدة مشکلة من أرض حمراء طینیة متصدعة کلیاً ومغطات بحجر أسود ، ثم أضاف

ویوم 5 مارس إنطلقنا من واد السي أحمد علی الثالثة صباحاً وکان الجو جمیل والسماء صافیة لکن هناک برودة شدیدة دافعین المهاری بإ تجاه عین صالح التي کنا نأمل الوصول الی مشارفها مع المساء فکان الوقت یداهمنا أکثر من نفاذ زادنا من التمر الذي قرب علی نهایته لأننا کنا نحمل مهارانا أکثر من طاقتها ولإنعادام أنواع أخری من الزاد فقد إقترب التمر من أن ینفذ والذي کنا نظن أنه یکفي لمسیرة خمسة عشر یوم ، وکنا نظن أننا سنجد في الجهة الأخری من الهضبة المسمات الغابة الواد الذي یقع به هدف رحلتنا أي عین صالح ولم نتوقف طیلة النها ورغم اللیل القارس الذي أدرکنا فنحن مازلنا علی نفس الهضبة و لم تلوح بعد واحة عین صالح .

تعب المهاری فتقاسمنا ما بیقي من التمر معهم ، وکنا نرید أن نحضر القهوة فلم نتمکن لسوء الأحوال الجویة من إشعال النار والوضع أصبح حرجاً جداً فنحن ضائعین علي هضبة ممتدة ولا تظهر بها أي علامة تبین لنا الی أین نتجه وبعد أن قطعنا مسافة معتبرعشوائیاً قررنا أن نبیت اللیل في مکان توقفنا به عند العاشرة مساءاً وعند شروق الشمس لاحت من بعید عند نهایة الواد واحة صغیرة محاطة بنصف جبال مغطات ببساتین النخیل و الإخضرار وسواقي عدیدة تصب مائها فی الحقول المتاتالیة من الشمال الی الجنوب وفي الواجهة ینفصل قصرعن الحقول یبعد عنا بحوالي سبعة کلمترات ، إنها واحة عین صالح النقطة التي ستنتهي عندها هذه الرحلة التي لم تتم إلا بعد المرور بصعوبات ومخاطر کثیرة و متنوعة ، فأمتطینا ظهور المهاری بکل نشاط وسرنا نازلین المنحدر حتی وصلنا عند السادسة والنصف صباحاً وتوقفنا عند أول بیت من الواحة المسمات قصر ملیانة . أو ملیانه .

وإذا کنا نبحث عن النقطة المرکزیة التي تنتهي عندها القوافل القادمة من السودان و القصادة الجزائرأو المغرب أو تونس تقف العین بالطبع عند عین صالح وهي في الواقع تمثل قلب التجارة و تمثل طرق القوافل الشریان والأوردة

فوصولنا في ساعة مبکرة من النهار زرع الرعب في سکان البیوت الأولی اللذین هرعوا للإحتماء في مجموعة البیوت الواقع شزق نقطة توقفنا ، ثم شيء فشيء بدأ السکان یظمئنون لوجودنا وکالعادة الأطفال هم أول من یقترب من السید سولیلیت وأحمد بن أحمد الذي علم من أحدهم أن صدیقه بوحوص في منزله فأرسله لإبلاغه بحضورنا ، ولم یتأخر بوحوص کثیراً عن الإلتحاق بنا وسأل أحمد بن أحمد عن الرجال الذین بصحبته فقال أنهم شعانبة من متلیلي ولکن بوحوص قصدني أنا بالذات فأجابه أحمد بن أحمد دون تردد أن کل الرجال اللذین معي هم شعانبة من متلیلي .

وبعد الترحاب وحسن الضیافة قررت قبل أن أدخل الي قصر آخر أن أبعث برسالة الی الحاج عبدالقادر بن باجوده أعلمه فیها بوصولي ، فأرسلت قدور خادم أحمد بن أحمد الی القصرعلی مهري وهو یحمل معه :

-1- رسالة من غرفة التجارة بالجزائر موجهة الی الحاج عبد القادر

- 2- رسالة من أغا ورقلة الأغا بن إدریس

-3- رسالة من سلیمان بن موسی قائد متلیلي موجهة أیضاً الی الحاج عبدالقادر ولد باجودة

وأمرته بالتوجه الی القصر الذي یقیم به أولاد باحمو ویسلم الرسائل الی الحاج عبدالقادر من ید لید وینتظر الرد علی رسالتي ،و في إنتظار الرد کان بوحوص قد أعطی الی سولیلیت معلومات مهمة جداً عن قصرعین صالح وعن عائلة أولاد باجودة التي ینتمي الیها الحاج عبد القادر

فمنذو سنوات عدیدة أصبحت هذه العائلة الأکثر مهارة والأکثر ذکاء في القبیلة العربیة الکبیرة أولاد باحمو ورغم المنافسة والمعارضة الکبیرة التي تواجهها من أولاد المختار إلا أنها إستطاعت الثبات دائماً في الصفوف الأولی والحفاظ علی سیطرتها بدون منازع علی کل تدیکلت ، وهذه العائلة کانت دائماً تمثل لتدیکلت التطور والتقدم ، والماجور قوردون لینق عند رحلته الی تنبوکتو في 1818 وجد عند هذه العائلة ترحاب وضیافة کبیرة وحمایة جیدة مکنته من الوصول الی تنبوکتو التي قتل بها ، وهذه العائلة أولاد باجودة لها علاقة وطیدة مغ تنبوکتو فلقد إقترنت لعدة مرات بعائلة البکاي التي زاع سیطها وتأثیرها ونفوذها الدیني والسیاسي حتی وصل ممتلکاتنا بالسنغال.

والعضوان الأساسیان في عائلة أولاد باجودة هما الحاج محمد والحاج عبد القادر ، فمحمد یکبر أخاه عبدالقادر بخمس سنوات ورغم ذالک فقائد أولاد باجودة هو الحاج عبد القادر الذي فرض نفسه بفضل تفوقه الفکري ثم تعدی ذالک لیصبح قائد کل أولاد باحمو کما دور العمدة في فرنسا ، وإضافة الی تفوقه الفکري فالشيء الذي یعطیه الزعامة بدون منازع وهو لقب المقدم أي مقدم الطریقة الطیبیة وهي طریقة مولاي الطیب التي لها نفوذ وتأثیر کبیر وشاسع یصل الی المغرب وإفریقیا الوسطی .

وعائلة الحاج عبد القادر کبیرة تتکون من سبعة أولاد وعدة بنات وإبنه الثاني محمد یوجد الآن بتنبوکتو عند عائلة البکاي الذي تزوج من أحد بناته

أما الحاج محمد فعمره الیوم یتجاوز الثمانین عاماً ما یعني أن الحاج عبدالقادر ما بین الخامسة والسبعون أو السادسة والسبعون والأخوان یملکان ثروة معتبرة .

قبیلة أولاد باحمو قبیلة ذات أصول عربیة لکنها منذو زمن بعید تبنت عادات وتقالید ولباس التوارق فالرجال عموماً أقویا وشجعان و لهم طباع نشیطة وحربیة وهذا ما یسمح لهم بمواجهة التوارق عند الدفاع وحمایة قوافلهم بل یغزونهم حتی في عقر دیارهم ، وقبیلة أولاد باحمو یمکن أن توفر قرابة مائة حصان والفرسان اللذین یرکبون هذه الأحصنة لهم مهارة کبیرة في حمل السلاح ویستعملون البنادق والمسدسات بمهارة کبیرة .

فإذا کانوا یتعایشون بکل ذکاء مع التوارق اللذین یعتبرون تدیکلت تابع لهم وجزء من إتحادهم والتي هم لیسو في غفلة عنها ، فهم یدافعون بشراسة ویردون غزوات القبائل کا دوي منا وأولاد المولات الذین في مائتان أوثلاث مائة یهاجمون القوافل ویسرقون القطعان ، والتشابه في اللباس مع التوارق یجعل الناس تخلط بینهم (لباس أزرق من قطن السودان مع الشاش) ولا یشبهون التوارق إلا في اللباس فأولاد باحمو من أصل عربي و التوارق من أصل بربري أما قبائل تدیکلت الأخری فیرتدون الزي العربي بالإضافة الی شاش أبیض علی الرأس لا یظهر منه إلا أعلی الوجه .

بوحوص الذي یزودني بهذه المعلومات ینتمي الی طریقة دینیة تملک قصور عدیدة بتدیکلت ما بین ملیانة والفقارة وهي تملک زاویة مشهورة ومهمة تقع علی مسیرة یوم کامل بإتجاه غدامس وتعرف في تدیکلت وکل إفریقیا بالزاویة القادریة وهي زویة أولا سیدالشیخ القویة وسکانها نشطا جداً وعندهم تجارة معتبرة .

الواحة تقع بین مرتفع بعلو 100 الی 110 متر علی مساحة ممتدة الی حوالي 1300 الی 1400 متر وتحتوي علی أربع فصورزائد قصر ملیانة والأسماء التي أعطاني إیاها بوحوص هي : ملیانة، الساهلة التحتانیة ، الساهلة الفوقانیة ، قصر الساهلة ، قصر العرب ، وفي المقال الذي نشره السید هنرة دوفیري عن ما جاء به جرار رولف الأسماء لا تتطابق ما ما قاله بوحوص والأمر لیس مفاجأ إذا علمنا أن في الصحراء الأماکن لها أسماء عدیدة وذالک حسب مدلولها بالعربیة والبربریة فمثلا المنیعة تسمی القلیعة والمنیعة ، فالسید هنري دوفیري رتبهم علی النحو التالي:

1- قصر العرب أو القصر الکبیر ، 2- قصر أولاد بلقاسم ، 3- قصر أولادالحاج ، 4 – قصر الدغامشة وحسب خریطة الصحراء الوسطی التي رسمها هنرة دوفیري ملیانة تقع خارج قصرعین صالح وهي عل بعد حوالي سبعة عشرة کلمتر من عین صالح وبفضل معلومة حصل علیها تمکن من تحدید هاتین النقطتین وعین صالح لیست إسم لموقع ما بل هي إسم لمجموعة مواقع ، والسید هنرة نفسه یقول أنها إسم لواحة بها خمس قصور أین ملیانة هي الأولی شمالاً والمسافة التي تفصل ملیانة علی قصبة الحاج عبدالقادر هي من سبعة الی ثمانیة کلمترات ویمکن للمهري أن یقطع هذه المسافة ویتجاوز العرق خلال ثلاث أرباع الساعة والرجل علی قدمیه یقطعها خلال ساعة أو ساعة وربع ، والخطأ الذي وقع فیه السید هنري دوفیري في رسم خریطته هو أنه إعتماد فی ذالک علی معلومات زوده بها بعض السکان المحلیین لیست لهم درایة بالریاضیات وتقدیر المسافات والتي لم یقوم بتمحیصها والتأکد من دقتها .

أما جرار رولف فقد أعطی الأسماء التالیة

1- الزاویة ، 2 – قصر الجدید ، 3 – القصبة ،4 – قصر العرب ، 5 – قصبة أولاد باجودة ، 6 – قصر أولاد بلقاسم ، 7 – قصر أولاد الحاج

والقصر الأول الذي سماه الزاویة هو ملیانة وذالک لأنه یسکنه زوی أولاد سید الشیخ ،أما دفیري فکان یعني بالکلمتان مکان واحد علی خارطته ولهذا کان غالباً ما یسمي الفقارة بالزویة الخضراء. وأما جرار رولف الذي زار المنطقة فأنا أتفق معه في جعل الزویة قصر ملیانة بین القصور المکونة لواحة عین صالح وغیر منفصلة عنهم

ومن أعلی قمة العرق الکبیر الذي یفصل ملیانة عن النقاط الأخری تمکنت من رأیت بنایة کبیرة وصلبة علی شکل مربع مبنیة جنوب قصر العرب الذي یسکنه أساساً أولاد باحمو و الحاج عبدالقادر باجودة وأخیه محمد وعائلتهما ، وهي قصبة بإسم قصرکما ذکر جرار رولف الذي وجدها في طور الإنجاز وأما الأفق من ورائها فهو مظلم تغطیه غابة من النخیل والتي تمتد الی نهایة البصروغرب البساتین تمتد من الجنوب الی الشمال واحة نخیل جدیدة علی أرض مخصبة جداً بالملح کأنه قاع سبخة وقد تکون السبخة التي تحدث عنها جرار رولف قد جفت وهي في نفس الإتجاه و الجدیر بالذکر أنني کلما سمحت لي الفرصة لمعینة الأمور بنفسي أجد أن هناک دقة کبیرة في المعلومات التي قدمها جرار رولف ، فعین صالح لا تشکل کما نعتقد مدینة واحدة موحدة بل هي مجموعة من القری أو القصور مختلفة تماماً الواحدة عن الأخري وأحیاناً یسکنها شعوب مختلفة الأصول ، فالزنوج موجودون بأعداد کثیرة ولکن یجب أن نتوقف هنا للإشارة الی وجود خصوصیة واضحة في حالة العبودیة لهذا العرق وهي .

العبودیة موجودة هنا علی مستوی کبیر کما هي في السودان ، فعین صالح کسائر البلدان تتلقی وتشتري الکثیر من العبید لکن عکس ما هو علیه عند التوارق فإبناء العبید لیسو بالضرورة عبید فهم شبه محررین ویسموم العطریة ما یشبه تماماً المحررون في روما .

القصور الخمسة المکونة لعین صالح تمتد من القدم حتی الی الغابة وهي غابة من النخیل مغلوقة الأفق في الجنوب علي مسافة عشرة کلمترات تقریباً وللوصول الی هذه القصورمن ملیانة علیک عبور العرق الرملي الذي یبعد عن هذا الموقع حوالي خمسمائة متروالذي یغلق الواد تماماً ویسمح بمرور الساقیة التي یسیل بها الماء من الشمال الی الجنوب.

وقصرالعرب القصرالأکثر أهمیة به من 1700 الی 1800 نسمة أما القصور الأخری فهی أقل منه نسمة وعدد المقیمین (الحضر) یصل الی 4000 نسمة ، والکثیر من سکان القصور یعیش حیاة البدو ولا یعودون إلی مختلف القصورإلا عند موسم جني التموروهي الفترة التي یتراوح فیها عدد سکان عین صالح من 10000 الی 11000 نسمة .

معظم أراضي عین صالح مزروعة بعنایة وینتجون التمور والزرع والخضر،الشعیر الیقطین ،کما لاحظت هنا کثیر من أشجار الفواکه کالرمان و المشمش ونوع من الأترج .

وعین صالح هي مرکز عبور مهم جداً للعدید من القوافل القادمة من برنو وتیمبوکتو و الهوسة المحملة بالنیلة والعاج والعلک وغبار الذهب ، ریش النعام ، والجلود ، العطور و العبید وهذه السلع تتجه طبعاً الی الشرق أو الی الغرب فالنیلة تذهب الی المرزوق مروراً بغدامس أو غات في نفس الإتجاه حتی تصل الی مصر ، أما العاج فیتبع نفس الوجهة وجزء منه یباع بطرابلس ، وریش النعام أیضاً یمر بطرابلس وغدامس أما العلک فیتجه عبر أولف الی تفیلالة والساورة الی المغرب ، والشراء الحقیقي لتجار عین صالح هو من غدامس والممثل في القطن والأصواف ، الحدید ، السکر والشاي ...الخ وهذه السلع عموماً هي منتجات إنجلیزیة قادمة عبر مالطا وطرابلس ما عدا الأصواف فهي مننتجات إیطالیة من لیفرون أو لوکي .

فمنذو تنصیب بن إدریس علی ورقلة عادت العلاقة الحیویة التي کانت تربط سبقاً بین عین صالح وورقلة بدأت القوافل تعود الی أسواق ورقلة کما أشرت إلیه سابقا عند إقامتي بورقلة جأوا لیحملوا البضائع الفرنسیة ، والقماش المستعمل في توات یأتي أغلبه من جنوب ممتلکاتنا والتي عندما توطد العلاقة مع هذه البلان یمکنها أن تمولها بالحبوب التي تحتاجها والمنتجات الفرنسیة التي تصل عن طریق قورارة یمکن أن تصل الی تفیلالة بواسطة التبدلات التي یقوم بها سکان أولام الذین تربطهم علاقة جیدة مع تلمسان

وهذه المنتجات لها قیمة کبیرة في عین صالح وفي توات عموماً وقد تجد أسواق سهلة وأکیدة ومحفزة ، ‌ما التبادلات مع بني مزاب فهي ضعیفة جداً وقدتتحول الی ورقلة ، تتجار توات عندما یتجهون الی أسواق مزاب لبیع سلعهم والممثلة أساساً في العبید یتقاضون الثمن نقداً بالدورو ثم یتجهون الی قورارة أو غدامس لتزود بالسلع التي یحتاجون الیها و العملة المتداولة هي الدورو وهي خمسة فرنک فرنسي وقیمتها عموماً تکون زوجیة ما لم تکن هناک علاوة و قیمته بالذهب متغیرة وغیر ثابتة وتتراوح من 20 الی 50 ٪ وهذا غیر معقول لأن العملة الصرف هي التي نتعامل بها في تونس و المغرب ، وعندما کنت بعین صالح کانوا ینتظرون قافلتین مهمتان قادمتان من تمبوکتو .

السي بحوص الذي کان یزودني بهذه المعلومات کان یکلمني أیضاً عن علاقاته الشخصیة في الشمال حیث کان دوماً یحدثني عن عدون بن سعید من بن یزقن الذي إلتقاه لمرات عدیدة ولا یزال یراسله ،

ثم بدأ القلق یتسرب الی الرحلة السید سولیلیت فما فائدة المعلومات التي زوده بها بحوص وقدور لم یعد بالرد وقد تنتهي الرحلة بعد ساعتان.

غیاب قدور الطویل جعلني أقلق کثیرآً فرغم رسائل التوصیة التي أحملها لکن أخشی أن یلتزم الحاج عبدالقادر بالعهد الذي قطعه علی نفسه أمام جراررولف والذي یکرره مراراً وهو أنه إذا جاء أي أجنبي الی عین صالح ولو کان یحمل رسالة توصیة من سلطان طرابلس أو سلطان المغرب فسأسلمه فوراً الی رجالي لیقتلنوه فنحن لا نرید أن یأتي أي مسیحي الی بلادنا .

وأخیراً عاد قدور عند غروب الشمس یحمل رسالة موجهة إلي من الحاج عبدالقادر وأخیه محمد وهي حتماً تحمل رد فیه رأي جماعة عین صالح اللذین إستدعاهم الحاج عبدالقادر لسماع ما جاء في رسالتي و الرد علیها

هذه الرسالة التي أرسلت النسخة الأصلیة الی غرفة التجارة والتي وصلت الیها یوم 08 أفریل ودونت تحت رقم 5651 والتي محتواها أنا الحاج عبدالقادر ولد باجودة وأخیه محمد تلقیا رسلاتي وعرفا ما بهما لکن الأمر یعود الی سلطان المغرب وما دام الأمر کذالک فلیس من الممکن فعل أي شيء من أجلي بدون أن یأذن لهما السلطان الذي سبق و أرسل قومه ثلاث مرات هذا العام وهو یباشر أموره بنفسه .و طلب مني أن أعود أدراجي وأن أغادر منطقته حتی نتفاد أي مشاکل یمکن أن تحدث لأي طرف من الأطراف التي یمکن أن یشکلها تواجدي في منطقته .

سیادة سلطان المغرب علی توات وعین صالح لم أکن أجهلها وقد ذکرها کل من تمکن من جمع المعلومات عن هذه البلدان فالمعروف أن توات کانت إتحادیة مستقلة ولا تعترف لسلطان المغرب إلا بالتبعیة الدینیة لأنه من الأشراف وذالک یتمثل في إرسال بعض العطایا في أوقات غیر محددة وطوعیة من طرف الإتحادیة ترسل الی أشراف فاس کما تعترف توات بسیادة البکاي بتنبوکتو علیها لکن بدرجة أقل وذالک لما لها من فائدة علی تجارة توات ، ثم تحولت هذه السیادة الدینیة الی سیادة فعلیة ،عندما حاول القائد کولینوالدخول الی توات علی رأس قافلة حیث وصل الی مداخل تمیمون فالخوف من الإجتاح الفرنسي والحاجة الی الإستقلالیة أدت بتوات الی الإرتمی في أحضان المغرب الذي لم یکن بإمکانه أن تکون له سوی سلطة محدودة جداً فحالة الفوضی التي کان یعیش فیها المغرب لم تمکنه من بسط سیطرته علی المناطق الواقعة في إمتداد الجزائر. وبعد رحیل قافلة کولینو قام سکان توات بجمع وإرسال جزیة ب5000 فرنک وعشرون أمة جمیلة الی سلطان المغرب الذي حتی یومنا هذا یرفض إستقبال أي حاکم ، وذالک لطلب حمایتهم عند أي غزو مرتقب من المسیحیین ، کما حدث في الشرق عندما وصل علي باي علی رأس قوم من غدامس لیعترض العقید مرشل الذي خرج من تقرت وعبر العرق ودخل بلاد التوارق لیحمي البعثة العائدة من غدامس الی الواد

السیادة الترکیة علی غدامس کانت سیادة دینیة فقط وکانت ممثلة في مشیر عادي لکن بعد ظهور علي باي و قومه بالمنطقة قام بطلب الحمایة من السلطان خوفاً من التدخل الفرنسي فأصبحت السیادة فعلیة وتمثلت في إرسال باشا وحامیة ترکیة وإنشاء دوریة تنطلق من طرابلس لتصل منطقة غدامس وجزء من فزان

السید دوفیري الذي جمع معلومات عن الصحراء الوسطی کان قد أشار الی واقعة غدامس کما أشار جرار رولف أیضاً لما حدث بتوات وأکد أن القائد کولینیو والسید بیرنسون لو کانا یحملان رسالة توصیة من سلطان المغرب کان سیتم الترحیب بهم ویتم إستقبالهم بحفاوة في توات ، ولأني کنت أعلم کل هذا عندما تحدثت مع العقید مرشل کنت أود الحصول علی هذه الرسالة من سلطان المغرب بواسطة وزیرنا في المغرب والتي کانت ستفتح لي أبواب توات بالتأکید

وقد فهمت من الملاحظات التي قدمها لي العقید مرشل أنه لا یجب أن أفکر في طلب هذه الرسالة من الیسد الأمیرال قیدون بعد ذهابي فلن أجدد طلبي الی السید الجنرال شانزي لأنه سیجیبني بنفس الإجابة .

السید سولیلیت لم یقتنع بإجابة الحاج عبد القادر فأراد أن یجرب حظه للمرة الثانیة لکن هذه المرة الرسالة التي حملها له بحوص لم تجد نفس الإسقبال لکن الحاج عبدالقادر متخوف من رد الفعل السکان رفض تماماً وطلب مني الرحیل فوراً

کان تفکیري أن أذهب وحدي الی القصبة ومقابلة الحاج عبدالقادر لکن عزلت عن الفکرة حتی لا أضع الشیخ في موقف یجعله یسلمني الی رجاله لیقتلونني کما کان دائماً یقسم علی فعل ذالک أو أن یخلق أعداء من کل الأطراف إذا إختار الدفاع عني ، هذه الحالة جعلتني أغادر عین صالح بعد ما وصلت الی بوابتها وکنت علی وشک الدخول الیها وبقلب متحصر ودعت هذه الأرض الوعودة بعد ما جمعت عنها معلومات دقیقة ، ثم قمنا بالتزود بالتمر بوسطة بحوص الذي باعنا کل ما نحتاجه و غادرنا عین صالح عند الثانیة صباحاً علی نفس الطریق التي قدمنا فیها لکن کنا أکثر خبرة عند العودة فکنا نتفدم بسرعة وفي الغد عندما توقفنا قمت بتحریر تقریر عما حدث بین قدورحامل رسائلي الی فصرالحاج عبدالقادر باجوده

یوجد هنا بعین صالح مواد أساسیة ذات فائدة لمستعمراتنا کالریش و النیلة ، العاج ، العلک ، غبار الذهب ، الشب و الملح الصخري بأسعار جیدة کما هناک الجلود ذات نوعیة جیدة التي لها قیمة کبیرة هنا ویمکن أن تباع بأسعار مرتفعة کما هناک أزهار إذا تم الإعتناء بها جیداً عند القطف قد تصبح ذات قیمة کبیرة ، هذا البلد إذاً یعطی لأقتصادنا موارد سهلة وفي متناولنا لا یجب أن تغیب عن أعیننا ویجب قبل کل شيء الآن وبسرعة تعلیم الطریق وأن ترسم حتی نهایتها

(الموقر السید هنري دوفیري في إجتماع 10 جوان ) هناک عناصر جدیة بالنسبة الأعمال لا یجب ترکها تغلق أو تسد بدون فائدة تطبیقیة هذه الطرق تفتح بصعوبة ، فیجب القیام بما نصح به العقید مرشل عند عودته من غدامس في 1862وهو إرسال قافلة الی توات وتدیکلت تحمل عینات من منتجاتنا و تنظمها غرفة التجارة بالجزائرالتي تحدد مکوناتها وتناقش قواعدها ونظامها ، کل الأعضاء الذین یودون القیام بالأعمال التجاریة في هذه البلدان یرحب بهم للإنضمام إلیها وسأقود هذه القافلة بنفسي إذا شرفتني غرفة التجارة بهذه الثقة التي عودتني بها وسأقودها حتی الی عین صالح وتمیمون والعودة بها عن طریق تفیلالة وأ‌ولام ثم تلمسان .وهذه هي الطریقة الوحید حسب إعتقادي لتعویض المصاریف التي صرفت المخاطر التي واجهناها لإثبات أن هذه الطرق المرسومة یمکن للقوافل السیر فیها بسهولة ومن الضروري قبل کل شيء أن تکون هذه العملیة ذات طابع تجاري وعلمي لأنه لا ندري هل نتمکن من مسح هذا الخوف السائد طوعیاً الذي نمثله لهذه الشعوب وهو أننا نرید توسیع مستعمراتنا وتمدید مناطقنا نحوی الجنوب والی نفقاتهم .

وهذا الخوف هو الذي جعل هذه الشعوب تخشی من ربط أي علاقة مع أمة کأمتنا رغم تواجدنا بالقرب منها منذو زمن بعید. ولن نتمکن من تبدید هذه المخاوف إلا إذا إقتربنا منهم وحاولنا مراراً ربط علاقات معهم ونذهب الیهم ونقوم بالخطوة الأولی نحوهم رغم أن هناک العدید منهم حاولوا الإتصال بنا وهذا سیمکنهم من التعرف علی حضارتنا وعاداتنا والیوم دورنا في الذهاب إلیهم وعرض علیهم هذه العلاقات التي کان من المفروض أن تکون قد ربطت منذو زمن بعید والتي تعود بالفائدة علی البلدین . لن نتبع السید سولیلیت في طریق عودته الی الجزائر التي وصل الیها یوم 01 جوان 1874 والذي قام فی طریقه بربط علاقات جیدة مع تجارعرب و تواتیین أصحاب مصالح بتوات وتدیکلت وقورارة و وعدوه أنه لن یخشی أي شيء علی نفسه أو ماله أوسلعته وطلب منه بعضهم الذهاب معه الی الجزائر أین باعوا منتجاتهم بکل سهولة بفضل منافسة عرفة التجارة و حریة المبادلات التجاریة ثم بعد ما قدمهم السید سولیلیت الی الجنرال شنزي الذي رحب بهم وإستقبلهم بحفاوة عادوا الی بلدانهم أین یمکن أن یشهدوا علی إمکانیة ربط علاقة جیدة ومباشرة ومهمة بین الصحراء الوسطی و مستعمراتنا ، وهذا رأي السید سولیلیت في الموضوع ، فأفکار السید سولیلیت لم تتغیر بعد عودته ولکن بالعکس تأکدت حیث کتب الی السید رئیس المجتمع الجغرافي بلیون یوم 12 نوفمبر یقول:

« عندي مشاریع معتبرة جداً لأنني کما تعلم أرید أن یکون لفرنسا وزن في إفریقیا الوسطی والذي هو من حقها نظراً لمستعمراتها بالجزائر والسنغال وأنا متأکد أن العلاقات الأولی یجب أن تکون تجاریة ولتکون جدیة یجب أن تکون علی أسواق جزائریة لکن یجب أولاً معرفة کل ما یخص بتجارتهم ، منتجاتهم وحاجیاتهم وهذا هو التحقیق الذي أرید أن أکرس له نفسي ، فالسوق الذي سیفتح لفرنسا معتبر جداُ لأن منطقة السودان تمتد علی مسافة 800 میل بین حطوط الطول 17 د موازیة شمالاً و17 د موازیة جنوباً و500 میل في الإتجاه شرق - غرب و الشعوب هناک بکثافة ونشیطة والنباتات غنیة ومتنوعة (العقید مرشل ) .

ومن أجل زیارة بسیطة (وهو مشروعي) یجب الوصول

شكرا على الموضوع الرائع

» سلسلة تاریخ عین صالح
» سلسلة تاریخ عین صالح
» سلسلة تاریخ عین صالح
» سلسلة تاریخ عین صالح
» سلسلة تاریخ عین صالح