جرار رولف
رحلات واستکشافات في الصحراء
الفصل الأول
الدرعة – تفیلالت - الجنوب الوهراني – توات - تدیکلت – غدامس
1861- 1864
مرکز دراسات تاریخ الصحراء
عین صالح و تدیکلت
الی منطقة جدیدة
ها نحن أخیراً جاهزین للإنطلاق یوم الحادي عشرمن سبتمبرعلی الساعة الواحدة، فقام المقدم باسطحابي لبعض الطریق ثم انصرف وکان سعیداً بي کما کنت أسعد برفقته وکان معنا في القافلة زیادة عنا رجال من تدیکلت بجمال محملة بالقمح حملت بتوات.
وأقتربنا من تجاوز ناحیة الکثبان الرملیة الضیقة التي تفصل النخیل عن الهضاب الحجریة وذالک ونحن نسیر دائماً باتجاه 65ْ، وما عساي أن أقول في هذه الشساعة الخالیة وأي روح تعیش علیها أین لا توجد حقیقةً أي شجرة أو شجیرة علی سطحها ؟ وعلی مد البصر الذي لا یحبسه سوی أحیاناً بعض الکثبان الرملیة القلیلة الارتفاع من وقت لآخر والتي یمکن انها لم تکن ظاهرة في اللیل وقد تختفي غداً . ثم خیمنا علی الساعة التاسعة مساءًاو بعد ما قطعنا طریق متعبًا نمنا في ثبات عمیق .وفي الغد عند الرابعة صباحاً واصلنا سیرنا دائماً فی نفس الإتجاه ولأن الوقت کان لا یزال مظلماًً فالطریق لم تکن مهمة کما في اللیل وسرنا طیلة النهار بدون توقف حتی وصلنا الی أعلی نقطة في السهل بین توات وتدیکلت حیث یوجد هناک حجارة متساویة وممتدة من الشمال الی الجنوب إلا أن المنطقة لا تجعل مقیاس الضغط یتحرک بأي تغیر، ویمکن من هنا رأیت کثبان أولف أول واحة بتدیکلت ، والسهل الحجري نادراً ما یرتفع أکثرمن ستون متر فوق تدیکلت وتوات وأرفع نقطة توجد علی بعد إثناعشر کلمتر من تدیکلت وتسمی هذه الصخرة الزوفیا .
وصلنا عند الثامنة مساءًا الی تمقطن القریة الواقعة في أقصی غرب أولف فأستقبلنا السکان بحفاوة کبیرة حتی أنهم أرادوا منا البقاء یوماً آخر ثم واصلنا طریقنا في الغد صباحاً لنصل الی قصرالجدید وسط نخیل أولف العرب بعد مسیرة ساعة من قصر تمقطن حیث تفصلهما مساحة متصحرة ، ونزلت عند شیخ القریة الحاج حمد بلجلول والذي کنت أحمل له رسالة وهو في نفس الوقت شیخ قبیلة أولاد زنان التي تسکن أولف وهم عرب لکن ککل سکان تدیکلت فهم یلبسون زي التوارق .ولأنهم یختلطون بهم دائماً فقد أخذوا عنهم لغتهم وعاداتهم .
هناک مسیرة ساعة من قصر الجدید الی قصر معزول یسمی أولف الشرفة والذي ینتمي أیضاً الی أولف أما القصور الأخری فهي تبعد عن قصر الجدید رمیة حجر فقط ، ففي الشمال توجد قصبة بلال139 وتقرافت وقصبة باب الکریم وفي الجنوب قصبة زاویة حینون، وهناک بساتین جمیلة بأولف وتمر ذو نوعیة جیدة ورغم ذالک بقینا بها حتی العد ثم أخذنا طریقنا ثانیة مع الجمال یم الخامس عشر من سبتمبر علی الساعة الثامنة .قابلنا عند أولف شریف وزاني یسمی سیدي الحاج حمد کان یجوب توات وتدیکلت یجمع الزیارة وکانت ترافقه فرقة کبیرة تنشد قصائد في تمجید الله والرسول محمد(صلی الله علیه وسلم) ومولاي الطیب .
وبقینا نسیربإستمرار في إتجاه 82ْ ولاشيء یمکن ملاحظته في الطریق عدا بعض التلال الصخریة علی بعد قرابة خمسة کلمتر من أولف والتي نقطعها ثم تختفي بالقرب من تیط التي وصلنا الیها عند الخامسة مساءاً والناخیة التي تفصل أولف عن تیط قاحلة مثل التي تفصل سالي عن أولف ولا یوجد بها ماء وقد استقبلنا في تیط بقصر المرابطین الواقع شرق قصر الشرفة ولا یوجد أي قصر غیرهما ، غادرناه یوم السادس عشرعلی الساعة الثانیة صباحاً وبعد ما قطعنا الکثبان الرملیة وجدنا أنفسنا وسط سهل أین المراعي بوفرة ورغم ذالک هذا السهل لا یرقی الی أن یسمی غابة کما یطلق علیه سکان المنطقة لأن العشب الذي ینمو به کالحلفة ودومران والست ولیبیت لا یتجاور طوله خمسون سنتمتر140، ونحن دوماً نسیر بإستمرار الی الشمال الشرقي تماما بدرجة 45ْ وهناک ثلاث یناببع ماء علی الطریق متوفر بها الماء علی الدوام فاسترحنا عنده النبع الأخیر منها والواقع بعیداً بإتجاه الشمال الشرقي والمسمی عید سیدي الشیخ علي (عین الشیخ)وهنا تنتهي الغابة ولا یوجد بعد ذالک سوی مساحة صخریة ممتدة قرب النبع الذي یسقي خمسونة نخلة تقریباً حیت یقیم مرابط ساعده فقره علی عدم الخوف من الغزاة من أولاد باحمو أو التوارق . وفي الخامسة وصلنا إلی إنغر فنزلنا عند شیخ قصر الکحول القصر الأساسي بإنغروقد إستقبلنا هناک أیضاً بحفاوة کبیرة والقصور الأخری هي ملیانة جنوب الکحول وأقبول وأسیل في الشمال وکل هذه القصور تبعد عن بعضها البعض مسیرة عشرة دقائق. 141 هناک أیضاً کل أملال یسکنون إنغر وهم عرب لکن تبنوا عادات ولغات التوارق ویعیش أغلبهم في أکواخ بسیطة من النخیل أو تحت خیم من الجلد لکن کل أملال لا یحبون أن یکنون توارق کما علمت فیما بعد ورغم أنهم توارق الا أنهم یحبون أن یدعون عرب 142 کأولاد زنان وأولاد باحمو بعین صالح .لم نبقی بإنغر سوی النصف الأول من اللیل ثم واصلنا سیرنا علی الساعة الثالثة صباحاً باتجاه 60ْ في وسط الغابة وعند الشروق في الخامسة صباحاً لاح أمامنا جبل تدیکلت بکل وضوح وهو الأکثر إرتفاعاً ویسمی حنک المهري(فک الجمل)فواصلنا المسیر في نفس الاتجاه والناحیة لیست مضجرة أبداً فهناک اخضرار کثیر(مکون من دومران فقطـ)فسعدت بالوصول أخیراً الی عین صالح أین تمنیت أن أودع افریقیا الشمالیة ، وعلی الساعة العاشرة صباحا کنا علی کتلة مرتفعة تبعد عن عین صالح بعشرکلمترات وتحمل أسماء عدیدة فالجزءالذي یکون الزاویة المستدیرة نحو الشمال یسمی جبل مایلة
139 – قصر بلال (فی جنوب ولیس في شمال) تقرافت . (؟) زاویة حینون
140 – في تدیکلت یطلقون اسم غابة علی جرء من العرق تنمو به أعشاب صغیرة لا یصل ارتفاعهاالی المتر والنصف ولا یتخللها أي عشب وتظهر بها الرمال عاریة ، الا أن الغابة وصفت بشکل مبالغ فیه قبل أن تری لأنها عند المشاهدة لا تستحق اسم الغابة والغابة في الصحراء یجب أن لا یفهم هذا الاسم بالمعنی الأکادیمي للکلمة و لنراها علی حقیقتها یجب الخروج عن الطریق (ل ت فوانوت – تدیکلت دراسة تاریخ وجغرافیا وعادات البلاد ص 10 وهرن1909)
نادراً ما ذکر رولف مما یبدو لنا مهماً ذکر قصة بدون معنی ومنسیة (سرج لوراک- الرمل الأحمر – بودیني باریس 1932 )ویمکن أن نقرأ في الصفحة 200 الغابة المسمات غابة تدیکلت الذي یدعي رولف أنه شاهدها لم توجد أبداً و في الصفحة 210 نقرأ (ونقطع أیضاً جزءاً دون مشاهدة أي شجرة فهذه الغابة التي أشارالیها رولف عند استکشافه المنطقة في 1862 لم نجد منها سوی شجیرات لم تنمو بعد مبعثرة علی الأرض کأنها شاهد علی الرؤیة الغریبة للغابة التي تحدث عنها جرار رولف وهو الوحید الذي أشار الیها بکل هذه التفاصیل مما یدعوا الی عدم تصدیق کل ما نقرأه دائماً ) والی جانب الحلفة نجد أیضاً دومران (تقانیوم نتاتیوم)، زیطة (لیمونیسریم قیونیانیم) عشبة معروفة في تیدیکلت أما الأبیت (أرتراتیم بونجیس)ږیعرف أیضاً بالسبط ، الدرین أو تولولت
141 – قصر انغر أقبور ملیانة الأکحل
142 – أنظر أیضاً الی الصفحة 238 في أسفل الصفحة
ثم یأتي الجزع الجنوبي ویسمی جبل تبارا وأخیراً جبل جهللهن الذي یمتد حتی عین صالح .
وعلی الساعة الواحدة وصلنا الی النبع المسمی عین السیسة ومائه غیر صالح ولا یشرب الا عند شدة العطش وذالک لأن الجمال تترک تعبث فیه بکل حریة فیمرحون فیه مما یجعل الماء متسخ ولم نبقی طویلاً في هذا المکان الغیر مریح والذي توجد به نخلة واحدة وظلها لا یکفي لإحتماء به من لهیب الشمس.
الإقامة بعین صالح
وصلنا عند السادسة الی سبخة عین صالح فعبرنا البساتین بسرعة عبر الکثبان الرملیة أین یوجد قصرالعرب أهم قصر في المنطقة143 حیث وصلنا في وقت الصلاة عند الحاج عبدالقادرولد باجودة کبیر أولاد باحمو وعین صالح وأول شخصیة في توات وتدیکلت .وفی نفس الیوم عند ما ذهبنا الی المسجد لصلاة الجمعة تحدث الشیخ عثمان مع خادمي لأنه لا یجرء علی الاقتراب مني لأني کنت أصلي في الصف الأول بجانب الحاج عبد القادر وقال له یمکنک عدم الذهاب الی المسجد لصلاة الجمعة لأنک علی سفر ففي کل الأحول لن تستفید من الصلاة ویرید الاشارة هنا الی کونه یهودي أو مسیحي وأن المسجد ممنوع علیه ، وأحد الحاضرین وهو تاجر غني ولأنه لم یفهم ما یشیر الیه الشیخ عثمان ، قال لخادمي ما علیک سوی أن تجبه قائلا ما تفیدک أنت الصلاة فعوضاً من أن تحج الی مکة ذهبت الی باریس لملاقات الأمبراطور المیسحي .وفي المساء أخبرني خادمي بنویا الشیخ عثمان وعند الصباح طلبت من الحاج عبد القادر أن یقول لي بوضوع ما ظنه بي والی أي مدی یمکنني الاعتماد علی حمایته ، فأخبرني أن السي عثمان جاء لیخبرني بأنک مسیحي وأن امبراطورالمسیح أرسلک لاستکشاف البلاد ونلاحظ هنا کیف أن هاولائي الناس لا یعیرون أي إ هتمام لکلامهم فهذا الرجل قد غمره لطف وکرم الفرنسیین وذهب الی باریس ما إن یقابل أول مسیحي علی بوابة بلاده (لأن في نظره أنا مسیحي)حتي یدفع به للیقتل رغم الاتفاقیات المبرمة بینه وبین الفرنسین وهذا یدل أیضاً علی خفة الفرنسیین في الثقة بالناس وعقد الاتفاقیات معهم والحاصل هو أن عثمان هذا هو أخ السي حمد الذي تزوج بنت کبیرالأهقار وکان قد وقع مع الفرنسین علی إتفاق ینص علی فتح أبواب بلاده للمسحین وأنا لا أنصح أي فرنسي بالذهاب الی الهقاررغم الإتفاق المبرم بغدامس وبباریس 144 .، فقام الحاج عبد القادر بتطمیني وقال أنه نفسه مقتنع بأني مسلم وأنه قام بتفحص بواسطة الطلبة رسائل التوصیة التي أحملها ووجدوا أنها مطابقة وأنه یعلم أن السي عبدالسلام لا یمکن أن یعطي رسائل توصیة لمسیحي ، کهاته التي أحضرتها وأضاف إن کنت مسیحي لقتلني الغنانمة والتواتین وحتی إذا لم یعرفوا بالأمر فالله لن یسمح بدخول مسیحي الی تدیکلت ویمکن القول أن السي عثمان لا یمکنه فعل أي شیئ ضدي علناً لأنه تحدیداً معروف بصداقته للمسیحیین کما أنه طمأنني أنه ما دمت في ضیافته لن یجرء أي أحد سوی من التوارق أوأولاد بحمو أن یلمسن شعرة مني ، فرجوته أن یدعني أسافر في أقرب فرصة وکان هناک قافلة في تلک الأیام مغادرة من أقبلي 145
الی تنبوکتو لکن أجباني أن الأمن منعدم بهذه القافلة و بدون ضمان وأنه حتی جانفي أو فیفري تکون هناک قافلة بها أتباعه ونظراً لطول المدة التي سأنتظرها ونفاذ مالي طلبت منه أن یرسلني الی لیبیا علی أغدامس
143 – قصر العرب هو في الحقیقة اسم لنخیل یجمع عدة قصور وهي الدویرات ،القصبة ، التراقة ، قصر الکبیر، وقصر باجودة وهنا رولف یقصد بقصر العرب القصر الکبیر وهو الأهم في قصر العرب وبین کل القصور المکونة لواحة عین صالح .
144 – السي عثمان أو الشیخ عثمان هو شخصیة معروفة جداً عند الفرنسیین 1855 أرادت الحکومة الجزائریة العامة ربط علاقة مع التوارق فاستدعتهم الی الجزائرالعاصمة بتوصیة من قائد ورقلة و نتج عن هذا اللقاء قیام النقیب بونماین برحلة الی غدامس في السنة التي تلت الاتفاق
وفي 1858 عاد السي عثمان الی الجزائر العاصمة وفي طریقه رافق المترجم العسکري بودبرة الی غات وبعد رحلة دوفیري وبالحاح منه ذهب الشیخ عثمان الی باریس في 1862 وقابل نابلیون الثالث وأصبح موقع اتفاقیة غدامس في 26 نوفمبر 1862 .
ویمکن قراءت النشرة البیوغرافیة الخاصة بالسي عثمان و التي أعدها ت منود في(الرحلة الأخیرة للینق 1825-1826)
145- أقبلي تقع في الجنوب علی بعد ثلاثون کلمتر جنوب غرب تیط واحة نخیل صغیر ذکر رولف مراراً في ما یلي
أین یمکنني الحصول علی قرض آخر یأتیني من وزان وأعود في جانفي لأنضم الی قافلة تنبوکتو لکنه رفض عرضي وقال لي علي الإنتظارحتی یتمکن من إرسالي الی تنبوکتو في کل أمان ، وکنت سعیداً في داخلي لأنه یحترم حرفیاً ما أمره به الحاج عبد السلام في رسالته (لأنه قال لي أن رسالة الشریف هي التي جعلته یحتفظ بي لأنه یأمره فیها أن یرسلي الی تنبوکتو آمناً وإلا لکان ترکني أغادر مع قافلة أقبلي الذاهبة الی تنبوکتو) ولقد خفت من إنعکاسات إقامتي في عین صالح أربعة أشهر وأنه إذا علموا بأني مسیحي سیقتلوني بدون شفقة ولا إهتمام وخاصة أن الحاج عبد القادر قال لي في حدیثنا أنه إذا جاء أي مسیحي الی هنا ولو کان یحمل بتوصیة من سلطان القسطنطنیة أو المغرب فسأرمي به الی الجمع لیقتلوه فنحن لا نرید أي مسیحي هنا عندنا . فلست في وضع یدع لسرور وأنا في هذه الصحراء حیث کل شیئ باهض الثمن و مالي بدأ ینفذ کالثلج یذوب تحت حرارة الشمس فأصبحت أبیع أدویتي بدلاً من أعطیها مجاناً فالقمح أغلی من ما هو علیه بتوات واللحم ثمنه لیس زهید والقهو والسکر هما تقریباً أغلی مما علیه بتفیلالة فوضعي بقی علی حاله لکن حرصت علی ربط علاقة کیدة مع الحاج عبد القادر ولد باجودة حتی أتمکن من الإعتماد علیه عند الضرورة ویبدو لي أني نجحت في ذالک وخاصة بعد ما أصبح کباروأغنیاء البلاد الی جانبي ولا یمکنهم الإستغناء عن خدماتي الطبیة فأمنت جانبهم146 فکنت أضع لهم بثورأو أعالجهم بالکي(فبالنسبة للعرب الطبیب الجید هو من یؤلم )وکنت أطیل مدة العلاج لکي یصبحوا في حاجة إلي یومیاً وبهذه الطریقة أصبحت لا أخشی أي شيء من جهتهم ، أما في ما یخص الطلبة وهم بمثابة الکهنة عندهم فقد أصبحوا في صفي لأني کنت أدعوهم دوماً للطعام وکنت أدفع لهم المال عندما أطلب منهم کتابة رسائلي لکن کنت دائماً أتجنبهم بقدرالإمکان لأنهم کانوا کذابین وحسودین أکثرمن تجار غدامس ولحسن الحظ لیس هناک الکثیر منهم حالیا ، لکن لم یکن بإمکان القیام بإي أبحاث فبالکاد یمکنني أن أسأل ما إسم هذه القریة أوإسم هذا الجبل ولا یمکنني حتی التفکیر في تعلم لهجة التوارق رغم توفر الفرصة لذالک لا یمکن أن أکتب أي شيء و إلا سوئلت لماذا أکتب، وأنا الآن أکتب هذه الخطوط وأنا مختبیيء فکلما ذهبت المرأة القائمة علی خدمتي لإحضار الماء یقوم خادمي بمراقبتها . بدأت أوضاعي تتحسن حیث أن الکل یعتقد أني مثله فحتی السي عثمان أصبح یعتقد أني مسلم جید أصبح یأتي لزیارتي دائماً ، وجد نفسه مرغماً لأن الرأي العام کله لصالحي . فوجدة حریتي الکاملة في البلاد فأصبحت أتجول بکل حریة في البلاد وأقوم بجولات طویلة حتی الی القری المجاورة وفي وحات النخیل الجمیلة وذهبت الی زیارة أولاد باحمو في القصورالأربعة قرب الکتلة أو المنحدرالمسمی جبل تدیکلت وما هو الا حافة منحدرهضبة تادمیت، وکان علي أن أجل رحلتي الی تیمبوکتو حتی حلول الربیع نطراً لحالتي المادیة و(من المستحیل علي صرف النقود الذهبیة «اللویز») مع إنعدام الأمن في القوافل التي تذهب هذه الأیام من أقبلي وهذا ما جعل الحاج عبد القادر ولد باجودة نفسه یرسلني الی لیبیا عبر غدامس لیجنبني الانتظار حتی الربیع فخرجت مع أول قافلة لانه للأسف بعد التفکیر الطویل لیس هناک أي حل أخر. کما سمعنا أیضاً أن هناک حرب في السودان کله فالابن البکرللشیخ حمد البکاي یقاتل هذه الأیام توارق الهقار الذین قتلوا عمه سیدي محمد الصغیر وحتی الشیخ حمد نفسه یقاتل ولد الحاج عمار الذي جمع القوات بعد وفاة أبیه وهو کما یبدو وصل أمام تنبوکتو أین اجتمعت المجاعة مع قلة المال حسب أقوال القوافل القادمة من هناک حدیثاً وکل هذا لم یکن لیخیفني ولو کنت أمل المال الکافي لخرجت فی أقرب فرصة ولقد أخبرت الشیخ حمد بقدومي في رسالة بعثتها له أول البارحة الی تمبوکتو فالمسافرین المنفردین علی المهاري وخاصة التوارق یقطعون المسافة بین عین صالح وتنبوکتو
146 – وقد ذکر الملازم فوانوت في تقریره السریة الصحراویة تدیکلت مایلي « أخبرنا شیخ من عین صالح یسمی بن قردوفة من أولاد باحمو أنا رولف قد عالج یوماً ابنته کانت مصابة بالقرنیة وأنه قد لاحظ عندما کان یفحص ابنته أن لون عیناه لیس کلون أعین العرب ثم تأکد من ظنه عندما خرج رولف کان یرفع قدمه عندما یمشي بینما العرب یسحبون علی أقدامهم البساط عندما یمشون ولما أبلغ بن قردوفة الرجل الذي کان یرافق رولف وهو من أولاد باجودة غضب رولف جداً وأجابه غاضباً لا أما لست رومیاً ، لا أنا لست رومیاً فقام مرافقه بتأکید قوله قائلاً لا انه شریف»
وتنبوکتو في اثناعشرالی خمسة عشر یوماً لکن القوافل تستغرق أربعین یوماً في ذالک لأنها تضطرالی التوقف کثیراً لاطعام وسقي الجمال عدا ان کانت قد ارسلت مع القوافل المنطلقة من أقبلي ، لم أتمکن من معرفة محتوی الرسالة التي أرسلها کبار تجار عین صالح لکن یبدو أنها أخبار مهمة جداً لأنهم دفعوا مبلغ مهم مائة وخمسون مثقال (أي قرابت خمسمائة فرنک) فحتی الحاج عبدالقادر أراد الاشتراک فی ارسال رسالتي حیث اشترک بنفسه في المراسلة بخمسة عشر مثقال.هذا الرجل البارز والذي دخل إسمه من الآن في الأسطورة بخصاله الحمیدة التي لا تحصی ولا تعد فهو قائد أولاد باحمو رغم أنه لا یسکن بینهم فهو یسکن في قصر العرب القصر الأساسي لعین صالح أین یسکن أیضاً إخوانه حیث انه الابن الثاني بعد البکر الحاج محمد الذي یکبره بخمس سنوات ، فتفوقه الفکري دفع أولاد باحمو المعرفون بطباعهم الغاضبة لإختیاره کقائد لهم ولکل تدیکلت أیضاً ویمکن القول لکل شمال الصحراء الوسطی لأن کل التوارق کانوا یخشونه رغم أنهم کانوا لا یخضعون له . وکان أول انجازاته هي هریمة الشعانبة الذین قتلوا أبیه حیث قام بالانقضاض علیهم علی رأس کل أولد باحمو وقطع نخیلهم کلها وهذه الحادثة مضی علیها خمسة وعشرون سنة ولأن النخیل ینمو بسرعة لم یبقی لها أي أثر الیوم وجاء الشعانبة بعد ذالک منحنین وأیدیهم وراء ظهورهم یرجون عفوه . ولقد ذکرت في ما سبق حملته علی البریکن في تسابیت التي حدثت في 1848 التي أیضاً قد نمی نخیلها بعد ما قطعه وهي الآن تثمر لکن أکبر انتصار له کان سنه 1861 عندما هزم الغنمه الذین کانوا قرابة مائة فارس وصلوا الی مداخل عین صالح فخرج لهم الحاج عبدالقادر وهولا یملک الا ثمانیة عشر فارس وحوالي ثلاثون من المشاة فهزمهم شر هزیمة ، وهو الأن یعیش حیاة هادئة فهو یقضي وقته في انشاء بساتین جدیدة وهو بدع الله دائماً لیغفر له قطعه النخیل لأن عند المسلمین هذا الفعل یعتبر خطيئة کبیرة وبعد ما قص علي بطولاته سألني هل من حقي قطع نخیل أعدائي ؟ فأجبته کلا لأن في الصحراء النخیل هو المورد الوحید للانسان ، أعجبته اجابتي وقال لي الکل قال لي من حقي فعل ذالک حتی الطلبة رغم أن صوت من داخله کان یقول له أنه إرتکب خطأ جسیماً بقطعه للنخیل . الحاج عبد القادر لم یکن یملک مالاً کثیراً لکن کانت له أملاک کثیرة أکثرمن خمسة ألآف نخلة في بساتینه ورغم العائدات الکبیرة التي تعود علیه من البساتین الا أن کثرة الضیوف الذین یقوم باستضافتها دائماً تلتهم کل أرباحه أما أخوه البکر الذي بساتینه أکبر بوضوح من بساتین الحاج عبد القادر والتي محصولها یحمل ثلاثمائة جمل من التمر ولا یستقبل ضیوف کثیرة وبالإضافة الی ذالک عائلته عددها قلیل وهو أغنی من الحاج عبدالقادر لکن لیس له تأثیر ولا سلطة في المجتمع ولذالک الرسالة التي أرسلها المرشال بیلیسي الی الحاج محمد بواسطة السي عثمان والتي تطلب منه التحالف مع فرنسا بقیت بدون رد ، فلو کان أرسلها الی الحاج عبد القادر ومعها هدیة معتبرة کان یمکن أن یتم التحالف وکان یمکن أن تکون فائدته أکبر من الاتفاق الذي أبرم مع التوارق والذي بقي مجمداً ، کما أن أولاد باجودة تعاملوا بلطف مع الماجور لینق حیث أخبرني الحاج عبدالقادر أنه یتذکر القائد المسیحي الذي أقام بعین صالح لمدة ثم ذهب الی تمبوکتو وأقام بها لمدة طویلة وقتل في طریق عودته علی ید البربشي لعنه الله علیه حیث قتله بالرغم من أنه کان عنده أمان الطریق (هذا هو کلامه).،الحاج عبد القادر له أربع اخوة وسبع أولاد وعدد من البنات وفي هذا الوقت أولاد باجودة هم في صدد بناء قصر جنوب قصرالعرب فالکل یعمل ویظهر روح المبادرة ، والظاهر أن عصا الملک أو الصولجان سیبقی لزمن طویل بین أیدي أولاد باجودة وبالتالي أولاد باحمو ، أما فیما یخصني فأنا أعتقد أن هناک علاقة کبیرة أصبحت تربطني بهذه العائلة وأنه یمکنني الإعتماد علیهم لحمایتي .
وصف الناجیة ومواردها
اذا کان موقع عین صالح الذي حدده لینق صحیح فیجب تقریب جبل تدیکلت من عین صالح لان أعلی نقطة للجبل والمسمات حنک المهري لا تبعد سوی مسیرة ما یفوق ساعتان بقلیل عن الزاویة الواقعة أقصی شمال عین صالح ، یجب تحویل انغر وتیط نحو الجنوب الشرقي وتوات الی الجنوب أیضاً لأن عین صالح تقع علی نفس خط العرض مع القصر الجنوبي لواحة فنوغیل وقد إستنتجت ذالک لأني خلال سیري حافظت علی نفس الإتجاه الشرقي أوالشمال الشرقي حتی وصلت الی عین صالح بدون أن أنحرف الی الجنوب الشرقي أبداً لکن لم أکن أملک مقیاس لتحدید موقعي بالضبط . عین صالح هي واحة متکونة من الشمال الی الجنوب من قصور عدیدة مبنیة جمیعها علی الحافة الشرقیة لبساتین النخیل علی الکثبان الرملیة (العرق) ونجد من الشمال الی الجنوب : الزاویة ، قصر الجدید ، القصبة ، قصر العرب ، قصبة أولاد باجودة ، أولاد بلقاسم ، أولاد الحاج 147 والأکبر والاهم بینهم هو قصر العرب الذي یسکنه قرابة ألف وخمسمائة وخمسون نسمة بدون أن نعد عدد الغرباء الذین یقیمون به لغرض التجارة کالقادمین من غدامس وتیمبوکتو، وتوات ، والشعانبة وبني میزاب الذین یأتون لتبادل منتجاتهم وهناک أیضاً تجار بالجملة وفي الواقع یمکن أن نطلق اسم تاجر علی أي کان مثل الحاج حمد بن محمود الذي یقوم کل سنة بإرسال شحنات عدید من ریش النعام الی طرابلس(لیبیا) بقیمة عشرون ألف فرنک للواحدة ، کما هناک أیضاً البارود والذهب والعاج والرقیق والقطن الغامق ملفوف علی شکل رزم، تأتي من السودان ،أما القماش والقطن الأبیض والقهوة والسکروالتوابل فمن لیبیا أما المواد الجاهزة کالسکاکین والمرآت والابر والدرر ....الخ فمن التل الفرنسي ، والحبوب والتبغ من توات فعین صالح لیست اذاً سوی عبارة عن مرکز عبور فالانتاج المحلي شبه منعدم فمنتوج التمور بالکاد یکفي حاجیات السکان وتوارق المناطق المجاورة والعبید الذین یجلبون الی هنا هم موجهمون الی طرابلس(لیبیا)أو الی تونس وأعتقد أن عددهم قد یتجاوز بعض المآت في السنة فالتجارة کما أسلفت هي عبارة عن تجارة عبورسلع بسیط و إذا سألنا التجارعن ماذا ینقلون فإما یکذبون واما یبالغون کعادتهم نفس المنتوجات التي تنتجها توات تنتج في تدیکلت کالتمور وخاصة تقازة ، الدقلة ،ترزایت و حرطان أما السنه فتنبت عشوئیاً فی الحقول وبالنسبة لتبغ والعفیون فهما لا یزرعان في تدیکلت والحبوب والخضر نفسها کما فی توات ویوجد نوع آخر من الحبوب خاص بالسود ویسمی التافسوت 148. وکما بتوات فالسقي یتم بواسطة الفقارة ویجب تقبل أن هناک تیارات مائیة تحت الأرض تسیل من الشمال الی الجنوب لأن معظم الفقارات تأخذ هذا الإتجاه وأیضاً نظراً للأمطارالشتویة القویة التي تنزل في الشمال (التل الفرنسي لأن الأمطار نادراً ما تسقط وقد لا تنزل لسنوات عدیدة و إذا نزلت فبکمیات قلیلة لا تستحق الذکر) فتملأ الفقارات بالماء في الربیع . وفي سبخة عین صالح الممتدة علی طول الجانب الشرقي للنخیل یظهرالماء علی السطح في الربیع لکنه مالح ورغم ذالک بدؤا في زراعتها وبعد سنوات ستختفي بالتأکید هذه السبخة وتتحول الی نخیل وبساتین .
هناک شيء غریب جداً ولافت للأنظار وهي السمنة المفرطة التي تمتاز بها نساء عین صالح فالواحدة منهن لا تتجاوز العشرون عاماً وهي تجد صعوبة في التحرک وذالک بدون شک راجع الی استهلاک حلیب وزبدة الناقة بکثرة فنتجت عنه هذه السمنة المفرطة ، والرجال في عین صالح یحبون ذالک جداً فکل ما کانت المرأة سمینة کانت جمیلة في نظرهم ، أما الإماء السودوات فأسعارهن زهیدة فیمکن شراء واحدة بثمانین أو مائة ثالر(وهي عملة ألمانیة) ونادراً ما یتزوج البیض من السودوات لأنه هنا یسود نظام طبقي صارم ، فالأشراف یتزوجون في ما بینهم ونفس الشيء بالنسبة للمرابطین وأیضاً الأحرار أو العرب الأحرار ، وأیضاً بالنسبة للحراطین أو أبناء العبید المحرارین أو العبید أنفسهم فهم یتزوجون فیما بینهم . أما التوارق فنادراً ما یختلطون بالأخرون ما عدا أولاد سیدي أولاد الحاج الفقي الذین یقیمون بینهم منذو قرون عدیدة حتی أصبحوا یعتبرون کتوارق حقیقیین. التوارق لا یسکنون بأتم معنی الکلمة بتدکلت لکن یأتون في الصیف من المناطق المجاورة
الممتدة علی طول الجانب الشرقي للنخیل یظهرالماء علی السطح في الربیع لکنه مالح ورغم ذالک بدؤا في زراعتها وبعد سنوات ستختفي بالتأکید هذه السبخة وتتحول الی نخیل وبساتین .
هناک شيء غریب جداً ولافت للأنظار وهي السمنة المفرطة التي تمتاز بها نساء عین صالح فالواحدة منهن لا تتجاوز العشرون عاماً وهي تجد صعوبة في التحرک وذالک بدون شک راجع الی استهلاک حلیب وزبدة الناقة بکثرة فنتجت عنه هذه السمنة المفرطة ، والرجال في عین صالح یحبون ذالک جداً فکل ما کانت المرأة
147 – زاویة الحاج بلقاسم ، قصر الجدید ، القصبة ، القصر الکبیر ، أولاد باجودة ، أولاد بلقاسم ، أولاد الحاج
148 – بدون شک التافسوت هي نوع من صرغو (اندروباقون صرقوم)
سمینة کانت جمیلة في نظرهم ، أما الإماء السودوات فأسعارهن زهیدة فیمکن شراء واحدة بثمانین أو مائة ثالر(وهي عملة ألمانیة) ونادراً ما یتزوج البیض من السودوات لأنه هنا یسود نظام طبقي صارم ، فالأشراف یتزوجون في ما بینهم ونفس الشيء بالنسبة للمرابطین وأیضاً الأحرار أو العرب الأحرار ، وأیضاً بالنسبة للحراطین أو أبناء العبید المحرارین أو العبید أنفسهم فهم یتزوجون فیما بینهم . أما التوارق فنادراً ما یختلطون بالأخرون ما عدا أولاد سیدي أولاد الحاج الفقي الذین یقیمون بینهم منذو قرون عدیدة حتی أصبحوا یعتبرون کتوارق حقیقیین. التوارق لا یسکنون بأتم معنی الکلمة بتدکلت لکن یأتون في الصیف من المناطق المجاورة لمقایضة التمور بلحوم الغزال والضباء المجففة وهم : الهقار ،الإمغاد ، والسوقمارن ،التکنقالي ، تکنسکل ، أما کل ملال فلهم مساکن ثابتة بإنغر ولا یحبون أن یکنون توارق149 وحتی السقمارن ینظرون الی الهقار والتوارق الآخرون بنوع من الأزدراء لأنهم یقولون أنهم یصلون ویصمون ویغتسلون ویحجون ولا یأکلون اللحم الحرام وهذا ما لا یقوم به التوارق سوی کانوا هقار أو امغاد وأنهم هم المسلمون حقاً والآخرون لیسو کذالک وفي الواقع توارق الهقار لم یکنوا متمسکین جداً بتعالیم الاسلام ولا یمکن القول أنهم محمدیین ، السوقمرن هم الأکبر عدداً و هم ینصبون أکواخ صغیرة من جزوع النخیل یقضون فیها أیام اقامتهم وفي موطنهم سهول مویدر وتنداود یعیشون في خیام صغیرة من الجلد وهم یلبسون کمعظم التوارق إلا أنهم یرتدون قمیص من الجلد تحت الحایک والسروال وکل التوارق یرتدون سراویل طویلة وضیقة وهي عادة من الجلد یلفون رؤوسهم بلحاف أسود ینزلونه الی ما فوق العینین ویغطي کل أسفل الوجه بما فیه الأنف ، ولما شوهد التوارق لأول مرة في باریس سنة 1862 لم یکنوا توارق حقیقیین بل کانوا مرابطین (من عائلة أولاد سدي الحاج الفقي)، وقد نوقش کثیراً سبب هذا السلوک الغریب والسبب بسیط هو أنهم یحمون وجوههم بهذا الشاش من الریاح الرملیة في الصحراء التي تهب في کل الفصول وفي کل یوم تقریباً والتي تدخل رمالها في العینین والأنف والفم ، التوارق یعشون بباسطة کبیرة ویقنعون بالقلیل ویمکن أن یعتمدون لشهور عدة في معیشتهم علی التمرواللبن فقط کغذاء. ، وتوارق الهقار وإمغاد یأتون هنا لیصبحوا سراق وخونة ولما نعلم أن سکان تدیکلت أیضاً ینعتون بهذه الصفات في البلدان المجاورة نفهم أن الذین یحکم علیهم بهذا الحکم لیسو ملائکة ،و نساء التوارق یلبسن کنساء العرب لکن لا یتحجبن واذا صدقنا ما یقوله الناس هنا فانهن یخرجن شبه عاریات في بلدانهن فاذا کان کذالک فما سبب لباسهن هنا ، أما عن سکان تدیکلت فقد تبنوا تماماً لباس التوارق وجمیعهم تقریباً یتحدثون لهجتهم وفي المقابل هناک القلیل من التوارق یتکلمون العربیة . التي علمها البربر والتوارق للمحمدین هنا سوی کان عرب أو من أصول أخری فهم لا یعرفون أسماء الشهور التي هي شهورهم ویعرفون أسماء شهورنا حتی إن لم یکونوا أمیین وحیاتهم هی علی نفس منوال حیاتنا فیلقحون النخیل في فیفري ویجنون أول التمور في شهر ماي آخر التمور في سبتمبر ویزرعون الحبوب في أکتوبر.....الخ الخ الخ منذو یومان تقریباً البیت المجاور یرسل من داخله أنغام موسقیة کأن الجدار الذي بیننا لیس سمیکاً بما فیه الکفایة . ، فقبل الأمس توفي المالک فکما یقلون عندنا عن نقیب عجوز سافر کثیراً لا یعرف البقاء في المنزل فلیس البحر من یحبه بل الصحراء الرملیة الشاسعة ، حیث ذهب الی تنبوکتو أکثر من عشرون مرة لجلب غبار الذهب و مرتین الی السودان الأسود بلاد الهاوسة وبرنو لجلب العبید و العاج و ذهب مرتان الی مکة
149 – الکلمتان هما کل أهقار والامغاد یمکن أن (یقصد بها التوابع) وأما السوقمرن فیمکن أن یکونوا أولاد سوکنة (توارق عین صالح) ولکن المقصود هنا هم اسقمرن وهم امغاد وتعني الکلمة المختلطین وهم نتاج زواج مختلط بین امرأة من التوارق ورجل من العرب أو البربر قدم الی تدکلت منذو 800 سنة وقد أقام بالتحدید بین الهقار بأتم معنی الکلمة و تدیکلت ، فتکنقالي ینعتون دق غالي وتکنسکل یمکن أن ینعتون التایطوق وفي المقابل کل أملال یقیمون بالحجم انغر
لیؤدي مناسک الحج حسب وقبل الحجر الأسود التي قدم علیها إبراهیم جد العرب أْحیته وهذا أعطام مکانة وإحترام کبیر حتی داخل المجتمع فعندما قدمت الی هنا طلب مني الحاج عبد القادر أن أعتني به کما لو کنت إبنه لکن لما وقفت أمام هذا الشیخ الهرم المثقل بالتعب من کل هذه الرحلات التي قام بها عرفت من النطرة الأولی أني لم یمکني فعل أي شیئ له ووصفت لأهله وصفات قدیمة لتخفیف من منعاناته في آخر أیامه متحفظاً علی أن أصف له أي دوی حتی لا أتهم بقتله إذا مات ، ولقد مات قبل البارحة وعلمت بذالک بعد سماع تلک الضجة الرهیبة ثم غسلة جثته وهي باردة ولف في فطعة من قطن ثم عند الصباح الباکر حمل الی المقبر ولم یصحبه إلا نفر قلیل الی مسواه الأخیر والکل یردد التهلیل (لاإله إلا الله محمد رسول الله ) وهم یحفرون بسرعة قبر بالکاد یکفي لحتوی الجثة ووضعوه علی شقه الأیمن وجه الی الشرق ثم غطوا القبر بالحجارة وبعد ذالک دفنها بالرمل التي إستخرجوها من حفر القبر ثم وضعوا حجرة واقفة عند رأسه وإنتهت مراسیم الدفن بتلادة بعض الصلاوات وکل الجنا ئز تکون بنفس الطریقة في کل شمال إفریقیا ، ففي المدن الکبری فقط أین یضع الناس المیسورین الحال الجثث في تابوت کما یفعل المسحیین . عند عودتنا من المقبرة شاهدنا النساء ترکض من کل الجوانب وهن یطلقن صرخات رثاء مازلت عاجز عن
وصفها حتی یومنا هذا والجو مشحون بالبکاء والرثاء،و دام العزاء ثلاثة أیام والنساء لا تنقطعن عن الصراخ والبکاء عند قدومهن الی المنزل، وعند مغادرتهن یرمین ورائهن حفنة من التراب أو حجرة صغیرة بدون أن یلتفتن الی الخلف فمن المأکد وجود بعض الأسی الحقیقي في بعض الأحیان لکن نادراً جداً اذا أخذنا بعین الاعتبار العلقات العائلیة للمحمدیین ، ویدعون أن البغاء العمومي لیس مشتهرهنا لأن محمد صلی الله علیه
وسلم قد سمح لأتباعه بالزواج من أربع نساء وبعض الإماء في حدود ما تسمح ثروته وأماکن البغاء قلیلة جدا
في مراکز کل المدن المغربیة الکبری ما عدا مکناس فبها واحدة ، لکن إذا أردنا أن نستخبر بما یکفي عن الحیاة الإسلمیة نجد أن نصف النساء الغیر متزوجات یمارسن البغاء، والرجل المسلم یمکن أن یطلق زوجته بسهولة ولأتفه الأسباب وفي کل قریة هناک العدید من الهجالات (أرملة ، أو مطلقة) یبعن أنفسهن لأول رجل
یدفع لهن النقود والمحمدي الذي لا یتمکن من أن یشتري إماء أو الزواج بأربع نساء معاً یتزوجهن واحدة تلوا
الأخری ولهذا تجد رجل قد تزوج أکثر من خمس أو ستة نساء وخاصة ان لم تلد له أبناء فالسبب دائماً هو أنها
عاقر وهذا سبب وجیه لطلاق وأحیاناً المرأة المطلقة تتزوج ثانیة ولهذا تجد في البیت الولد له أم غیر حقیقیة أي زوجة أب أوأب غیر حقیقي أي زوج أم کما هو حال حمد الولد البکر للحاج عبد القادر ولد باجودة بعین صالح. ویمکن أن نلاحظ هنا الفوضة السائدة في المجتمع ، ونادراً ما یلاحظ ذالک الرحالة الأربیین الأخرین ولکن من کان مثلي بإعتباري مسلم تمکنت من الإقتراب والتعامل مع کل الخدم بالمنزل فأنا أری الأمور بعین أخری، أما بالنسبة للمتحضرین و المتفاخرین من العرب بأن البغاء العمومي منتشر عند المسحیین أکثر مماهو علیه عند المحمدیین فأنا أنصحهم أن یقتربوا من الهجالات في القری أو القصورالصغیرة لیعرفوا أنها لیست سریة أکثر مما هي علیه عندنا وأن منازلهن أشبه بالأماکن العمومیة للبغاء .
لقد لاحظنا البارحة انخفاض في الضغط بثمانیة درجات بدون أن یتبعه أي تغیر في الجو الذي بدأ یبرد مع حلول اللیل مقارنة بحرارة النهار التي تصل الی 30ْ في الظل عند منتصف النهار أما في الصباح فهي بین 15ْو20ْ قبل شروق الشمس ، والسنونوات الشمالیة بدأت في الظهور منذوعدة أیام ویأتون یقضون فصل الشتاء هنا کما هناک نوع آخر من السنونوات زیلها لیس منقسم ویقضون کل السنة هنا .
ومن الناخیة السیاسیة سکان تدیکلت یعترفون لسلطان المغرب بالسیادة علیهم ویعلوا الدعاء له کل جمعة في المساجد رغم أن سلطته منعدمة تماماً هنا کما في کل واحات جنوب الأطلس الکبیر ومن هنا اذا إتجهنا شرقاً نجد السکان یدعون لسلطان العثماني لأنه هو الخلیفة الشرعي لسلطان بغداد ودمشق .
هناک مجاعة کبیرة بدأت تنتشر هنا لأن القافلة المحملة بالحبوب والقادمة من توات قد اعترض طریقها أولاد زنان أو آخرون وحتی مؤونتي من الحبوب نفذت منذو أیام لأن هناک أشراف کثیرون أقوم باستضافتهم علی مائدتي کل یوم ولحسن حظي أني صدیق أکبر تاجر بعین صالح الحاج حمد بن محمود والذي أرسل لي أکیاس أخری من الحبوب لما علم بنفاذ ما عندي لکنها هي الأخری نفذت في لمح البصر لأن الأشراف الجیاع لا یزالون یأتون الي کل یوم ، وحتی السي عثمان یأتي کل یوم بدون استحیاء للغداء معي رغم أنه فعل کل ما بوسعه عند بدایة اقامتي لإتهامي بأنني مسیحي أو جاسوس مسیحي .
البارحة قمت بالصعود الی جبل حنک المهري الواقع علی300ْ من عین صالح ویبعد عنها قرابة ثمانیة کلمتر حیث خرجت عند شروق الشمس وقمت باسدارة طویلة لتفادي السبخة فتسلقت الجبل، وفي منتصف النهار کنت عائداً الی البیت، ارتفاعه یقارب ستون متر وهوأعلی نقطة في هذه الحافة المسمات البطن أو جبل تدیکلت وهو مکون من الجیر في أسفله و الحجر الرملي في أعلاه ومن فوقه نشاهد سهل تادمایت في الشمال و انغر غرباً وقصر أولاد باحمو في الشرق وقصور عین صالح في الجنوب الشرقي .
أما التوارق فهم کالأشباح فحتی العرب هنا یقولون مقال «التوارق کالأرواح» کیف الجنون وقد بدؤا یختفون فلا تری أي أحد منهم في کل تدیکلت وهذا حتی الصیف المقبل لأنهم لا یأتون إلا في موسم جني التمور،
قام أولاد باحمو هذه الأیام بغزو ضد الشعانبة والظاهر أنهم هزموا ولقد علمنا أنهم ترکوا عشرة قتلی علی الأرض من بینهم إثنان من التوارق کانوا عادةً ما یشترکون في مثل هذه الغارات ، أولاد باحمو وهم یقدمون التقریر لرئیسهم الحاج عبد القادر کانوا متأکدین أن الأحیاء سیعدون منتصرین ومحملین بالغنائم لأن ولد باحموإما أن یقتل إما أن ینتصر فهو لا یفر أبداً من القتال.
لقد علمت مؤخراً أن الأجر المرتفع یدفع في نقل غبار الذهب ثم یأتي الریش ثم السلع العادیة أما من یسافر بدون أمتعة فیخفض له السعر لأن مالک الجمال بإمکانه تحمیلها بالسلع، فقمت بعقد سفقة لنقلي لکن کان علي أن أدفع أکثر من المعتاد ، فالمحمدیین یسرقون بعضهم البعض اذا أمکن الأمر فما عساني أن أنتظر منهم اذا عرفوا أنهم یتعملون مع أجنبي ، ثم قمنا بالدعاء لیوفقنا الله في سفرنا هذا وبعدها أوصی الحاج عبدالقادر ولد باجوده السي عثمان قائلاً إذا إعترض أولاد باحمو طریقکم وهاجموکم فقل لهم أن مصطفی قد سکن تحت سقف قائدکم و إذا هاجمکم الشعانبة أو التوارق فقل لهم أن مصطفی کان في ضیافة الحاج عبدالقادرولد باجوده لمدة شهرین وهو یحبه کإبنه ومن یعتدي علیه فکأنما إعتدی علی عائلتي، فانحنی السي عثمان أمامه مأکداً أنه لن تکون أي مشاکل في حالة التقائنا بهم لأنهم یعرفون قدر إسم قائد أولاد باحمو وقال أن هذا الکلام یخصني أنا فهو مرابط ولیس بحاجة الی الحمایة وأنه یسافر ومعه السبحة لا السیف وأین یوجد المؤمنون یمر وهم یفسحون له الطریق.
التحضیرللإننطلاق
القافلة المتتجهة الی أغدامس آخیراً جاهزة والعقد مع السي عثمان أبرم لحملي الی وجهتي وسأذهب مع الرجل الذي أخیه قاد الماجور لینق الی تدیکلت ، الرجل الذي رافق بودربة والذي کان دلیل دوفري، والذي کان في سباق مع أخیه الحاج حمزة قا ئد الهقارومع الحاج شنون (إشنوشن دوبیري) قا ئد أسقر الذین عقدوا مع الفرنسیین إتفاقیة تتضمن حمایة کل الأجانب الذین یعبرون بلادهم .لقد عرفت الآن لماذا کان یکرهني عند بدایة إقاتتي لأنه کان یظن أن منحتي تکفي لإستأجار مهري براحلاته وأنه إذا قام بإحراج السي مصطفی (وهو الإسم الذي المستعار الذي کنت أستعمله) أو أن یشحن الشعب ضدي فسألجأ الیه لیخرجني من تدیکلت وسیحصل بالمقابل علی مکافئة کبیرة جداً ولکن لما تأکد أنني لا أعیر إي إهتمام لحمایته وأن أصولیته لن تفیده أي شیئ غیر من إستراتجیته تماماً وأصبح .
علي اذاً القول أن الحاج عبدالقادر ولد باجوده کان نزیهاً ومخلصاً معي وخاصة عندما نعتقد أنه کان یتلقی من المسافرین هدایا باهضة الثمن مقابل حمایتهم من قراصنة أولاد باحمو بینما أنا لم أهدیه سوی أشیاء لا قیمة لها کما أني رفضت اعطائه مسدسي الذي طلبه مني مراراً وتکراراً لأني کنت في حاجة ماسة الیه لحمایة نفسي فقد کنت أقدر سلوکه أکثر من حمایته لي أنا کأجنبي مسکین ومناهض له ،رغم أني قد سلمته رسالة توصیة من قا ئده الروحي وهذا أکید ، لکن کان من المتوقع علی الأقل وفي کل الأحوال أن أقدم له هدیة و قد جعلته یتمنی أن أعودة حتی أنه أعطاني مسدس ذو طلقتین من نوع خاص وطلب مني أغیر له أخمسه في لیبیا و أحضره معي عند عودتي حتی أنه لم یسمح لي بالذهاب الی لیبیا الا عندما أکدت له أني سأعود لأنه کما یقول من واجبه تنفیذ أوامر الحاج عبد السلام والتي کانت في رسالته و هي ارسالي الی تینبوکتو في کل أمن أمان ولذالک أجلت قافلة السي العین التي تنطلق من أقبلي موعد انطلقها الی الربیع القادم حتی تنضم الی القافلة الکبیرة التي تنطلق من عین صالح لتتمکن من قطع في کل أمان بلاد التوارق التي هي في الآن حرب.
فقمت بشراء کل ما أحتاجه لمدة شهر لأنه لا یمکن شراء أي شيء في الطریق حتی غدامس کما إشترایت قرب إضافیة للماء لأني أحتاج ما یکفیني لمدة عشرة أیام من الماء ، وقد ننطلق بدون شک الیوم بعد الزوال.