حياة الصالحين

الإمام الحسين
سيد شباب أهل الجنة
منذ اللحظة الأولى لمولده رضوان الله عليه، والسماحة حفية به، والدنيا من حوله تتألق بالطهر وتفيض بالرحمة وتتضوع بعبير الملائكة، فجدُّه المصطفى صلى الله عليه وسلم حين بلغه أنَّ ابنته فاطمة رزقها الله بمولود سارع إلى بيتها الطاهر، ووجهُهُ يتلألأ كالبدر، وكانت هذه عادتُهُ حين يتلقَّى نبأً ساراً، ثمَّ انحنى على الطفل الوضىء، وأدَّنَ في أُدنه، كمَا ُيؤذن للصلاة وكانت هذه أول كلمة يسمعها الإمام الحسين بعد مجيئه كالبدر، وكانت هذه عادته حين يتلقى نبأ سارا، ثم انحنى على الطفل الوضىء، وأدَّنَ في أُدُنه، كما يُؤذَّنُ للصَّلاة وكانت هذه أول كلمة يسمعها الإمام الحسين بعد مجيئه إلى الدنيا بلحظات في يوم الخامس من شعبان للسنة الرابعة للهجرة، وقبل أن يبرح الرسول بيت الزهراء أطلق على المولود اسم "الحسين"، ولم يكن اسما معروفا عند العرب.

محمد بن الحنيفة
داعية السلام والمحبة
حسبٌ ومكانةٌ بين عظماء الإسلام أنه ابن الإمام علي كرَّمَ الله وجههُ، وأن الدَّور التَّاريخي الذي قام به لحقن دماء المسلمين مازال كالأنشودَة العَذبة في قيتارة التاريخ، ومع ذلك لم ينصفه المؤرخون، ولم يسلكوه في عداد الذين حركوا مسيرة الحياة وفرضوا اسمهم وسيرتهم على التاريخ، فمن هو هذا البطل الذي لو شاء لجعل الخلافة حيثما يركز رمحه، ولكنه أبى أن يؤدى الصراع على الخلافة إلى إراقة دماء المسلمين، وتشغلهم دنياهم عن أخرتهم.. فيركضون وراءها لآهتين وفي غمرة سعيهم إليها ولهفتهم عليها.

على زين العابدين
العــابد الأواب الذي آمن بحــرية الإنســــان
في إجلال وخشوع تقف أمام تاريخه العظيم متأملا متمعنا فيما يفيض به هذا التاريخ من عظمة وشموخ متهيبا أن تدخل في محراب تاريخه لفرط ما ازدحمت فيه المشاهد الإنسانية الرائعة ولكثرة ما تتنسم فيه عبر آل البيت بكل ما يحفهم من طهارة ونقاء وشفافية إن عليا زين العابدين بن الإمام الحسين رضي الله عنه حمل أكثر من لقب كمل يحمل الفارس المجلى أكثر من وسام فقد لقب بزين العابدين لأنه كان يصوم النهار ويقوم الليل، ولقب بشيخ الساجدين لأنه كان يطيل السجود لله جل وعلا، ولقب بشيخ البكائين لأنه كان يبكي حتى تخضع لحيته بالدموع متأثرا مما حدث في كربلاء، ولقب بشيخ المتصدقين لأنه كان يحمل الدقيق في جنح الليل على ظهره إلى بيوت الفقراء والمساكين، ونتج عن ذلك أن أثر الحبل في ظهره وترك به علامة سوداء.

عبد المطلب بن هاشم
أول من حمـل النبي وطـاف به حــول الكعبــة
كفاهُ شرفًا ومجدًا وعزًا وجاهاً، أنَّه جدُّ الرسول وأن حياته كلها كانت إرهاصات بمولد النبي المنتظر وأنه أول من تلقى البشارة بمولده صلى الله عليه وسلم فسارع إلى بيت آمنة بنت وهب والغبطة والحبور يملآني جوانحه ثم حمل بيده الطفل الوليد، فوجده يتلألأ نورا كالكوكب الدُّري بل وجد فيه عطر الملائكة وعبيرُ السَماء وما لبث أ ن ذهب بالطفل إلى الكعبة وطاف حولها شكرا لله ثم عاد إلى بيت آمنة وسمع منها حديثا عجبا عن الآيات التي صحبت مولده وعن الهاتف الذي جاءها في المنام وقال لها:" سميه أحمد" فقال لها زعيم مكة ورأس قريش سنسميه محمدا حتى يكون محمودا في الأرض وفي السماء، وسنسميه أحمد كذلك.

العباس بن عبد المطلب
جاهــد سر ا وعلانيـــة في ســــبيل الله
مواقفه الشامخة الصامدة الشريفة مع النبي صلى الله عليه وسلم ينفد مداد التاريخ دون أن يفيها حقها من الثناء والإطراء، إنها مواقف إنسان مبهور بعظمة الرسول يحس أن الجزيرة العربية كلها مقبلة على تغير كبير في عقائد أهلها وطباعهم وأخلاقهم، وأن خطوات هذا التغير تمضي سريعة حثيثة، ويحس أن ابن أخيه سيكون له شأن، فيمد قلبه ومشاعره مبايعا للرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يمد يده ويعلن إسلامه.

أبي بن كعب
أول من كتب الوحي للرسول بالمدينة
آية هذا الصحابي الجليل ذكر في الملأ الأعلى، وتردد بين الملائكة، ونزل جبريل من السماء حاملا اسمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرض عليه سورة البينة حين نزولها.

عبد الله بن عبد الأسد
أول مهاجر من مكة إلى المدينة
اعتنق الإسلام قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار أرقم ابن الأرقم، أي كان من الصفوة الذين اختارتهم السماء لعبقها وسناها حين يبسط الدين الجديد أولى أشعته على الكون، فأيقظ العقل من غيبوبة طال عليها الأمد، ووضع عنه إصر الجاهلية، وأغلال الوثنية، هؤلاء الصفوة وقف التاريخ خاشعا في محراب حياتهم، يتأمل مليا جلال تضحياتهم، وعظمة فدائيتهم، وصلابة عزائمهم التي فاقت صلابة الجبال.

زيد بن حارثه
أول تلميذ لرسول الله
كان أقرب الناس إلى قلب النبي وأدناهم إلى نفسه تلقى مبادئ الإسلام بعد نزول الوحي على الرسول قبل أن يعلم الناس أن هناك دينا جديدا نزل على محمد بن عبد الله من السماء، وكان ثاني من أسلم، وقيل رابع من أسلم، وأول تلميذ لرسول، وقد بلغ من وفائه للنبي صلى اله عليه وسلم أن فضله على أبيه وعمه، وآثر أن يعيش عبدا رقيقا في بيت النبي على أن يعيش حرا في بيت أسرته.


بلال بن رباح
أول مؤذن في الإسلام
كان صاحب صوت عذب شجي لم يستخدمه في الغناء والترويح عن أهل مكة وإنما أطلقه مجلجلا في الفضاء يهز به أسماع المدينة المنورة وأسماع البلد الحرام، كان يصحو قبل الفجر ليؤذن للصلاة وكان المسلمون يألفون صوته ويسارعون إلى المسجد ليصلوا خلف الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا في كل صلاة كان صوت بلال يملأ الفضاء بنور الشهادتين.

عبد الله بن عمرو الأنصاري
أول شهيد أظلته الملائكة يوم أحد
خضب دمه الزكي المضمخ بعبير الإيمان والمشعشع بنور العقيدة أرض المعركة، قبل أن يغادر الرماة الخمسون مكانهم يوم أحد. ويبتلى المسلمون بهزيمة قاسية مفاجئة. كانت المعركة ساعتها تدور لصالح المسلمين، وكان المشركون بقيادة أبي سفيان يتقهقرون فزعا ورعبا من صولات المسلمين، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوقع أن المسلمين سيدخلون امتحانا جهما عسيرا بعد ساعة من نهار ا، ولكن الله جل شأنه علم المسلمين أن مخالفة رسوله تؤدي إلى التهلكة، فقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم الرماة الذين صفهم في فجوة بالجبل من أن يتركوا مكانهم مهما يكن من أمر، ولكن بريق المغانم خطف أبصارهم، فما كادوا يرون المشركين يتراجعون ويتركون أسلحتهم وأمتعتهم، حتى نسوا أمر الرسول ونزلوا إلى أرض المعركة، وهنا حاقت بهم الهزيمة، وسقط منهم عشرات الشهداء.

أسعد بن زرارة
أول من أسلم من أهل المدينة
إنه وإن لم يكن خاض معركة واحدة من معارك المسلمين إلا أنه يتبوأ مكانا عليا بين الأبرار والقديسين والشهداء والصديقين فحسبه منزلة رفيعة في تاريخ الإسلام، أنه أول بل ثاني أثنين حملا رسالة النور إلى المدينة ولهج باسم الإسلام بين الأوس والخزرج وفتح العيون على فجر الدين الجديد فما لبثت القلوب أن شخصت إلى مكة وما لبث الذين أنار الله أبصارهم وبصائرهم أن شدوا الرحال إلى البلد الحرام ليلتقوا بالنور المجسد فيها الذي أرسله الله هداية للعالمين

مصعب بن عمير
أول داعية أرسله النبي
شرَّفه الرسول صلى الله عليه وسلم باختياره أول داعية إلى الله وكان جديرا باختيار الرسول له للقيام بأعظم وأروع مهمة في الإسلام فقد ضحى من أجل الله ورسوله تضحيات تفوق كل وصف إذ ترك وهو شاب يعيش في ظلال الترف والرغد والرفاهية كل ما يحضى به من نعيم الدنيا وطيباتها لينعم بحياة النور والطهر والشفافية ويحظى بقرب الله ورضوانه فحين أشرق قلبه بمحبة الله ورسوله صارت الدنيا بكل ما فيها من زخرف ومتاع لا تساوي عنده جناح بعوضة.

عبيدة بن الحارث
أول من عقدت له راية الإسلام
كان من أقرب الرجال إلى قلب الرسول ومن أشدهم حبا له وبالرغم من أنه كان يكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدب وحياء بعشر سنوات فإنه كان يجلس لمقام المصطفى وتبجيلا لمكانته وإعظاما لشانه كان من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى فغضوا أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتحوا عقولهم وقلوبهم لتلقي نور السماء وسنا الوحي وتعاليم الدين الحنيف.

نوفل بن الحارث
أول قاض في الإسلام
كان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبوه هو الحارث بن عبد المطلب إلا أنه كان أكبر من الرسول سنا بل أكبر من عميه حمزة و العبا س، وهو وإن لم يدخل الإسلام منع طلائعه الأولى إلا أنه حين دخله وتذوق حلاوته أحس بنور الله يقشع غاشية الجاهلية من باطنه، ويرتفع بإنسانيته فوق مشارف الإنسان فيقبل على الله إقبال المشوق المتيم كل قطرة من دمائه تتطلع إلى الأفق الأسمى وكل خاطرة في ذهنه تتأمل وتنظر في ملكوت السموات والأرض، وهكذا يفعل الإسلام بمن يخلص في عقيدته، ويتخذ منها مشعلا هاديا في الطريق إلى الله وكان شاعرا مجيدا وكانت بعض ملامحه تشبه ملامح الرسول.

عبد الله بن الزبير
أول مولود للمسلمين بعد الهجرة
كبر النبي صلى الله عليه وكبر معه المسلمون في المسجد حين بلغه نبأ مولد طفل للزبير بن العوام وانطلقت الفرحة تعم أرجاء المدينة المنورة حتى دخلت كل بيت من بيوت الأنصار وذلك لأن مولد هذا الطفل كان في السنة الأولى للهجرة قضى على أسطورة أطلقها اليهود بأنهم سحروا المسلمين وأصابوهم بالعقم، وحملت أسماء بنت أبي بكر وليدها عبد الله وذهبت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووضعته في حجره فدعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فمه فكان أول شيء دخل جوفه هو ريق النبي ثم
دعا له الرسول الكريم بالبركة.

خبيب بن عدى
أول من صلى ركعتين قبل قتله
ستظل صورته تهز وجدان التاريخ كما هزت وجدان القبائل جميعا في عصره وبعد عصره..إن الهيئة التي استشهد عليها كانت غريبة على العرب ومع ذلك لقي الموت وهو باسم ونفسه راضية مرضية حاولوا أن يثنوه عن الإسلام لقاء العفو عنه وإخلاء سبيله فآثر الموت شهيدا على الحياة في ظل الوثنية والكفر وساقه الجلادون إلى المقصلة والسيوف مشرعة من حوله فلم تظهر عليه علامات الوجل وإنما كان يتلو بعض آيات القرآن الكريم في هدوء وأناة.قال هذه القصيدة نورد منها هذا البيت:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أن جنبا كان في الله مضجعي
ثم نظر إلى السماء وقال:" اللهم قد بلغنا رسالة رسولك فبلغ رسولك الغداة ما يصنع بنا اللهم أحصدهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا.." ثم لقي الشهادة بعد ذلك.

عبد الله بن مسعود
أول من جهر بالقرآن أمام قريش
كان من السابقين الأولين في الإسلام بل كان سادس ستة اعتنقوا الدين الحنيف ولما بلغ الخامسة عشر من عمره رأى أحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم فانبهر وأسلم دون أن يتردد، وظل ملازما للرسول كوال حياته حتى انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، وكان عبد الله بن مسعود قد أصبح حجة في حفظ القرآن، لأنه سمعه من فم النبي، وحفظه كما سمعه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" من سرَّهُ أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل، فليقرأ قراءة أبن أم عبد".
أما كيف أسلم فإنه رأى شيئا عجب يرويه هو بنفسه يقول:كنت غلاما يافعا أرعى غنما لعقبة بن معيط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وقد فرا من المشركين، فقال: يا غلام هل عندك من لبن تسقينا؟ فقلت:إني مؤتمن ولست ساقيكما فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل عندك من جدعة لم ينزل عليها الفحل؟ قلت نعم فأتيته بها، فاعتقلها النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح الضرح ودعا فحفل الضرع، ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة فاحتلب فيها فشرب، ثم شرب ثم قال النبي للضرع أقلص فقلص فأتيته بعد ذلك فقلت: " علمني هذا القول قال إنك غلام معلم، فأخذت من فيه سبعين سورة لا ينازعني فيها أحد."

الزبير بن العوام
أحــــد العشرة المبشرين بالجنــــــــة
لم ترفعه قرابته للرسول صلى الله عليه وسلم على مرتبة البررة الأطهار، وإن كان الانتماء للرسول شرفا ما بعده شرف، وإنما رفعه جهاده وولاؤه لله ورسوله الدين الحنيف إلى أعلى قمة بين المؤمنين الصادقين فقد هيأه الله منذ نعومة أظافره لأن ينعم بنور السماء والإسلام يرسل أول أشعته الهادية الصافية على الجزيرة العربية فيقشع ظلماتها شيئا فشيئا.

سعيد بن زيد
أحد العشرة المبشرين بالجنة
شهد في طفولته أمرا عجيبا لم يشهده عند أحد من أهل مكة جميعا فقد كان والده زيد بن عمرو يصحبه معه إلى الكعبة ويصلي عندها صلاة تختلف عن عبادة سكان البلد الحرام وكان يسمع مع والده أنه يتعبد دون أهل مكة على الدين الخليل، ولهذا نشأ سعيدا عازفا عن عبادة الأصنام معرضا عن أفعال الجاهلية ينتظر النبي الذي آمن به والده دون أن يراه، ولذلك فإنه ما كاد يسمع أن محمد بن عبد الله يأتيه خبر السماء حتى بادر إليه هو وزوجته فاطمة بنت الخطاب وبايعاه على الإسلام، وعاش سعيد بن زبد ورعا تقيا لا يغفل لحظة عن ذكر الله ولا تمتد يداه إلا بالبر والمعروف ولا يسعى إلا في مرضاة الله ثم وافته المنية وسنه سبعون سنة في يوم جمعة سنة إحدى وخمسين من الهجرة.

عبد الرحمن بن عوف
أحد العشرة المبشرين بالجنة
كان أغنى مسلم في الجزيرة العربية ولكن الدنيا كانت في يده ول م تدخل قلبه كان يربح الكثير من تجارته وينفق كل ما يربح في سبيل الله لم يغره المال باكتنازه ولم يبهره بريق الذهب والفضة، كان إشراق قلبه وسمو روحه يجعلانه في عالم مضيء بالسكينة والشفافية والارتفاع عن مغريات الحياة

طلحة بن عبيد الله
أحد العشرة المبشرين بالجنة
قال عنه صلى الله عليه وسلم:" من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله"
أنه سمع بظهور النبي قبل أن يلقاه ودخل الإسلام وكان ثامن إنسان يدخل الإسلام، وظل الفارس الذي لا يتخلف عن أي معركة، لا في عهد الرسول، ولا بعد أن انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى حتى لقي الشهادة في موقعة الجمل رحمه الله مع الأبرار والصديقين.

سعد بن أبي وقاص
بطل القادسية وأحد العشرة المبشرين بالجنة
اعتنق الإسلام وعمره حوالي التاسعة عشر عاما وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الغزوات وكان من العشرة المبشرين بالجنة، كما كان مستجاب الدعاء، روى أن الرسول الكريم قال له:"يا سعد أطب مطمعك تكن مستجاب الدعوة"
وفي قصة إسلامه كان له موقف حاسم مع أمه التي حاولت ترده عن دينه فقد حلفت ألا تكلمه أبدا ولا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن الإسلام مذكرة إياه بأن الله أوصاه بوالديه قائلة له: أن أمك وآمرك بهذا وقد أمسكت عن الطعام والشراب ثلاثة أيام حتى سقطت مغشيا عليها وكادت تموت لولا أن أنقذها ابنها عمارة وسقاها وسعد لا يأبه لها فقد ثبت الله قلبه على الإيمان ونزل في ذلك قوله تعالى:" وإن جاهداك على أن لا تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وصاحبهما في الدنيا معروفا".

عامر بن فهيرة
الشهيد الذي دفنته الملا ئكة
قد يبدو غريبا أن تقوم الملائكة بدفن إنسان، ولكن تزول الغرابة وتنقشع حين نعلم أن هذا الإنسان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الطلائع الأولى في الإسلام ومن الذين عذبوا حتى امتلأ جسده بالجراح والحروق ومع ذلك لم يفتن عن دينه ولم يلن لمعذبيه ولم يزدد على النكال والتعذيب والبطش والقهر غلا إيمانا ورسوخا في العقيدة حتى بلغ درجة من الشفافية والطهر جعلته في مستوى الملائكة صفاء ونقاء وروحانية.



عبد الله بن حنظلة
استشهد وهو صائم والراية في يده
كانوا يسمونه ابن غسيل الملائكة لأن والده استشهد يوم أحد وسمع النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تبكي زوجها فقال لها اخفضي صوتك فإن الملائكة تغسل حنظلة ونشأ عبد الله يتيما يملأ نور الإسلام قلبه ووجدانه ويحس بأن الدنيا دار سفر إلى الآخرة وأنه لابد أن يتزود منها بالتقوى حتى يلقى الله وصحفه مطهرة وأعماله مضخمة بعطر الحب الإلهي وهكذا استغرق في العبادة منذ شبابه يؤدي المكتوبة في وقتها ويصوم الدهر وينتقل بالليل ما شاء الله له أن ينتقل وكان يرعى غنما ته نهارا ثم يأوي إلى المسجد عند غروب الشمس ويكتفي بتناول شربة من الشعير وما ملأ بطنه من طعام قط.

نعيم بن مسعود
رجل المخابرات البارع في غزوة الخندق
أي إيماضة ربانية عانقت بالإيمان قلبه، فير أحلك ساعات طغيانه وعناده فكشفت عنه ظلمات الجاهلية والشرك والوثنية، جاء مع قبيلته غطفان في قافلة من الأوهام و الوساوس والظنون يحدوه أمل شيطاني في أن تستأصل الأحزاب شأفة الدين الجديد، وتقضي عليه قضاء نهائيا في مدينة يترب، كان قلبه يتأجج حقدا على الإسلام والمسلمين فإذا بالسماء تسمح بنورها على قلبه فيأتلق ويشرقن ويحس بعاطفة نورانية تجذبه إلى الإسلام، وتدفعه إلى مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم.

هشام بن العاص
الفدائي الذي قدم نموذجا فريدا للتضحية
لو أردنا أن نصف الفدائية في أسمى وأروع صورها، والبطولة في أكرم ذراها والشجاعة في أنصع معانيها، والتضحية في أعلى مواقفها، لقلنا أنها تتمثل في هشام بن العاص الأخ الأصغر لعمر بن العاص كانت حياته نموذجا للمؤمن الأواب ومماته أو استشهاده صورة نادرة فريدة للبطل الذي يبحث عن الشهادة، وتهتف خفقات قلبه بأسمى أناشيد التضحية و الفداء حتى لكأنه يرى الجنة بجمالها الخالد مزدهرة فواحة تحت ظلال السيوف، ويرى الملائكة وهي تحمل بأيمانها له ثياب الرضوان، فهو يحارب والقرآن مضيء في قلبه وعلى شفتيه، ووجهه تحت غبار المعركة يتلألأ بشرا وحبورا بلقاء الله.
قصة استشهاد هشام بن العاص يوم أنجادين فإنها تجعل التاريخ خاشعا وهو يرسم صورة عنها لقد ضحى كما لم تعرف التضحية، وشاهد أشباح الموت تحلق في سماء المعركة، ورأى بعض المسلمين ينكصون عن عدوهم، فاقتحم صفوف العدو، وهو يصيح بصوت جوهري يدوي في ساحة القتال يا معشر المسلمين" أنا هشام بن العاص أمن الجنة تفرون...؟ وظل يقاتل الروم حتى انكشفوا عن مواقعهم وانتهوا إلى أخدود في الأرض.

عبد الله بن أم مكتوم
الكفيف الذي حمل راية الجهاد ونزل إلى المعركة
إنه شخصية فريدة متميزة في تاريخ الإسلام علما وسلوكا أعاضه الله عن فقد بصره نورا في البصيرة وضياء في القلب حتى إنه كان و هو الكفيف يرى بعيني قلبه ملا يراه المبصرون فقلبه أشبه بمرصد يستقبل أسرار الله وأنوار السماء وبلغ من تقدير الني له أن كان يستخلفه على المدينة حين يخرج للغزوات فيؤم المصلين في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم ويقف عن يسار المنبر خاشعا تخرج الكلمات من فمه باكية متهدجة من خشية الله.تيقن أبن مكتوم بأن الله ميزه وميز المكفوفين أمثاله على غيره من الناس بأن جعل جزاءهم الجنة وذلك حين سمع هذا الحديث الشريف: قال أنس بن مالك رضي الله عنه:"عن جبرائيل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ابن أم مكتوم فقال:متى ذهب بصرك؟قال :وأنا غلام فقال : قال الله تبارك وتعالى إذا ما أخذت كريمة عبدي فلم أجد له جزاءا إلا الجنة."
وكان ابن أم مكتوم ذا حس دقيق بمعرفة الوقت.
نزلت فيه الآية الكريمة قوله تعالى:" عبس وتولى أن جاءه الأعمى" يعني ابن أم مكتوم، وجاء يوم خزن فيه ابن أم مكتوم غاية الحزن وتألم أشد الألم ذلك أن الوحي نزل على الرسول الكريم قوله تعالى:" لا يستوي القاعدون من المؤمنين" فقال ابن أم مكتوم:" يا رب ابتليتني فكيف أصنع" فنزل قوله تعالى:" غير أولى الضرر". فأي تكريم أعظم من هذا التكريم مرتان ينزل بهما الوحي بشأن أم مكتوم.
يقف التاريخ خاشعا أمام سيرة حياة هذا الرجل العظيم، وما أقل من يقف خاشعا أمام سيرة حياتهم التاريخ.

عبد الله بن حذافة
تمنى أن يقتل في سبيل الله بعدد شعر رأسه
سارع إلى اعتناق الإسلام والمسلون يومئذ قلة تكابد من أدى قريش وتعاني من اضطهاد المشركين ولم يلبث بعد إسلامه أن هاجر إلى الحبشة فرار بدينه وعقيدته وقد اجتمعت في عبد الله بن حذافة السهمي القرشي خصال لم تجتمع في صحابي آخر، فهو ذو عزيمة لا تعرف الكلل، ونفس طامحة تتأبى على الخمول واستماتة في سبيل إعلاء كلمة الله حتى ولو مزق إربا ومع ذلك فهو رجل خفيف الظل، كثير المرح والدعابة يفاكه أصحابه حتى في أصعب المواقف وأشدها حرجا...ذهب في العام التاسع عشر من الهجرة مع الجيش الذي أرسله عمر بن الخطاب إلى الشام لمحاربة الروم، وقد شاء حظه أن يقع أسيرا ضمن ثمانية رجلا من المسلمين وجيء به إلى ملك الروم، وقالوا له: إن هذا من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال له الطاغية: هل لك أن تترك دينك وأشركك في ملكي وسلطاني؟
فقال عبد الله بن حذافة:لو أعطيتني كل ما تملك، وجميع ما ملكته العرب، على أن أ رجع عن دين محمد طرفت عين ما فعلت.
قام ملك الروم بكل أشكال التعذيب لعبد الله بن حذافة ليفتنه عن الدين الإسلامي إلا أن ذلك لم يكن أبدا ولم يجد الملك فائدة من موت أبي حذافة فقال له: هل لك أن تقبل رأسي، وأخلي سبيلك؟ قال عبد الله: لا مانع عندي أن أقبل رأسك على أن تخلي سبيل جميع أسرى المسلمين. ولما وافق الملك قبل عبد الله رأسه فأطلق سراح الأسرى قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بهذه الواقعة قال حق على كل مسام أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة ثم قام وقبل رأسه.


زيد بن أرقم
الغلام الذي أنزل الله فيه قرآن يصدقه
من حق التاريخ أن يحنى أقلامه إجلالا لهذا الغلام الذي أنزل الله فيه قرآنا يصدقه فقد حمل جبريل الوحي ونزل على الرسول ليؤيد صدق الكلمة التي قالها زيد بن أرقم- وهو غلام حدث-لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم سبع عشر غزوة أولها غزوة "المصطلق" في السنة السادسة للهجرة على أرجح الروايات في هذه الغزوة كاد ينشب قتال بين المهاجرين والأنصار بسبب التزاحم على الماء إذ صاح رجل: يا للأنصار وصاح آخر يا للمهاجرين، ولكن رباط الأخوة بين المسلمين حسم الخلاف في الخطاب بيد أن عبد الله بن أبى-وكان زعيم المنافقين في المدينة – وجد الفرصة أمامه لتمزيق شمل المسلمين فقال كلمات محمومة يتفزع منها وجدان التاريخ: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل..كان زيد بن أرقم جالسا عند عبد الله بن أبى وسمع هذه الكلمات فمشى إلى رسول الله الكريم وأخبره بما سمع فأراد عبد الله بن أبى أن ينفي عن نفسه هذه المقالة فذهب إلى رسول الله وحلف بالله ما قال هذه الكلمات وأن الغلام ادعى عليه، ولكن الله أراد أن يكشف كذب المنافقين ويفضح نفاقهم، فأرسل جبريل في اليوم التالي بسورة المنافقين، وفيها نص العبارات التي قالها عبد الله بن أبى زيد وبلغها زيد بن أرقم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسر الغلان بهذا النبأ سرورا عظيما، وذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فابتسم له الرسول وأمسك بأذنه وقال لمن حوله هذا الذي أوفى الله بأذنه.

عامر بن عبيد الله البصري
كان يصلي في اليوم ألف ركعة
ما شوهد في ساعة من الليل أو النهار إلا راكعا أو ساجدا، فقد كان يصلي في اليوم و الليل ألف ركعة ومع ذلك يتهم نفسه بالتقصير في عبادة الله عز وجل، كان دائما يحاول أن يقف على قدم المساواة مع الملائكة الذين يسبحون بالليل والنهار ولا يفترون عن ذكر الله لحظة واحدة، وكان لا يتناول إلا لقيمات قليلة كل يوم يكاد يمسك بها رمقه، ولذلك كان رامقا هزيلا، ولكن جسده النحيل كان ممتلئا بقوة روحانية عجيبة تعينه على ما كلف نفسه به من صلاة وقد عاش عزبا لم يتزوج بالرغم من أن معاوية بن أبي سفيان عرض عليه أن يخطب من شاء ويدفع له المهر من بيت المال لأن عامر بن عبد الله بن عبد قيس البصري كان قد تجرد لله وقرر ألا يلهيه عن عبادته شيء، ولذلك فإنه يعد من الثمانية التابعين الذين انتهى إليهم الزهد، وكان يقول:لذات الدنيا أربع المال والنساء والنوم والطعام أما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما أما النوم والطعام فلا بد لي منهما.
وقد أدى قيامه أناء الليل والنهار إلى أن تورمت ساقاه وقدماه، وكان يقول يا نفس إنما خلقت للعبادة يا أمارة السوء فوا الله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ الفراش منك نصيبا، وكان بين الحين والحين يخرج إلى أحد الجبال يتعبد فيه بعيدا عن الناس، وحدث أن خرج يوما وظل يمشي حتى هبط واديا اسمه وادي السباع، وقد سمي الوادي بهذا الاسم لأن السباع كانت تسكنه، ولم يكن يرتاده أحد من الناس اللهم إلا المتصوفة الخلص الذين امتلأت قلوبهم وجوانحهم بهيبة الله فلم يعود يخافون سواه حتى الأفاعي السامة والسباع الضاربة والوحوش الكاسرة.
حين هبط عامر هذا الوادي وجد فيه متصوفا آخر على شاكلته اسمه" حممة" انفرد عامر يصلي في ناحية وحممة في ناحية أخرى ومضت أربعون ليلة ما يكلم أحدهما الآخر لأن كل منهما منهمك في الصلاة والعبادة، بيد أن عامر أراد أن يكلمه ويتعرف إليه وينافسه في طاعة الله عز وجل فذهب إليه وسأله: من أنت يرحمك الله؟ فقال له:دعني وهمي! قال: أقسمت عليك، قال: أنا حممة الحبشي قال عامر: لئن كنت أنت حممة الحبشي الذي ذكر لي لأنت أعبد من في الأرض، أخبرني عن أفضل خصلة قال حممة: إني لمقصر، ولولا مواقيت الصلاة تقطع علي القيام والسجود لأحببت أن أجعل عمري راكعا و وجهي مفترشا حتى ألقاه، ولكن الفرائض لا تدعني أفعل ذلك، فمن أنت يرحمك الله؟ قال:أنا عامر بن عبد قيس قال حممة: لئن كنت أنت عامر الذي سمعة عنه لأنت أعبد الناس، فأخبرني بأفضل خصلة قال عامر: عن هيبة الله في صدري جعلتني لا أهاب غيره.
وبينما عامر وحممة يتحدثان في عبادة الله وطاعته، إذا بسبع يأتي من خلف عامر ويثب عليه، فوضع عامر بكل هدوء يديه على السبع وتلا هذه الآية الكريمة :" ذلك يوم مجموع له الناس، وذلك يوم مشهود" فما كان على السبع إلا أن جثا على الأرض، وأخذ يبصبص بذنبه وكأنه قط وديع.

سعيد بن المسيب
لم تفته صلاة الجماعة أربعين سنة
بماذا نصفه والتاريخ مبهور من سيرته؟ ماذا نقول عنه وأعماله عبق في نافحة الخالدين؟ كيف نجترىء على دخول رحابه وهو محفوف بالمهابة موشى بالجلال؟ أننا نتقدم نحو تاريخه في استحياء لنقتبس بعض ومضات صافية منه ونرجوهما لمن يريد أن يملأ عقله نورا ووجدانه ضياء ويضفي على حياته الطهر الشفافية، لقد كان سعيد المسيب صفاء في طفولته، وسموا في صباه، وحكمة وثقافة في شبابه، وعبادة خاصة في حياته كلها.

عروة بن الزبير بن العوام
بتروا ساقه وهو قائم يصلي فشغلته الصلاة من آلام البتر
حينما تقف مواكب التاريخ تتأمل عظمة إنسان وتتملى سؤدده ومجادته فإنها تقف تطيل الوقوف أمام هذا البطل العظيم لأن جانب العظمة فيه تحتاج إلى تدبر وإمعان، فهو أينما حدقت بفكرك في آفاق حياته تجدها آفاقا تتجاوز تخوم الإنسانية حتى إن المتأمل الفاحص ليستظهر فيها من المعاني ما لا تدركه أجنحة الخيال المحلق وحسبه عراقة في الأصل أن أباه هو الزبير بن العوام حوارى رسول الله وابن عمته وأن أمه هي أسماء بنت أبي بكر الصديق وأن خالته هي عائشة أم المؤمنين،و حسبه وسموا وجلالا في الإسلام أنه ولد في بيت يتلألأ بالدين الحنيف وتعطره السماء بعبق تعاليمها السمحة، وتتهادى فيه ملائكة الرحمة .
تعالوا نستعرض معا هذه الواقعة لندخل في إجلال وخشوع إلى هذه النفس المطمئنة بربها وإلى هذا المؤمن الصادق الصابر الشاكر الذي استغرقه حب الله حتى إنه إذا كان إذا دخل في الصلاة يذوب وجدًا في الله وينسى كل شيء حوله بل لا يحس بأي ألم في جسده.
فقد خرج يوما في طريقه من المدينة إلى دمشق لزيارة الوليد بن عبد الله خليفة المسلين، وكان برفقة ابنه محمد، وهو أحب أولاده إليه، وفي الطريق أصيب بداء الآكلة في رجله، وهو داء إذا أصاب عضو في الجسد يظل يتآكل، ولا علاج له إلا البتر، ولما بلغ دار الخلافة في دمشق ودخل على الوليد عبد المالك جمع له الوليد الأطباء المتخصصين في علاج هذا الداء، وأجمعوا على قطع الساق فورا، و إلا تسلل الداء إلى فخده، ثم إلى باقي الجسد.
علم عروة بذلك فلم يبدي الجزع على وجهه ولا الحزن على ملامحه، وواجه المحنة بنفس راضية وقلب صبور، وعندما أخذوه لبتر ساقه قالوا له: ألا نسقيك مرقدا أي شرابا أشبه بالمخدر حتى يغيب عقلك فلا تحس بالألم، فابتسم عروة ابتسامة راضية تعبر عن صدق إيمانه وثباته أمام ضربات القدر، وقال:لا ما ظننت أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله حتى لا يعرف ربه غزَّ وجل، ولكن إن كنتم لا بد فاعلين، فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة، فإني لا أحس بذلك ولا أشعر به.
وما إن قام الصلاة واستغرق فيها كدأبَه حتى نشر الأطباء ساقه فلم يتألم ولم يختلج شيء في جسده، ثم أمسك بعد الصلاة بالساق المبتورة وقلبها بين يديه وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أمشي بها إلى سوء أو إلى معصية قط.

سعيد بن المسيب
لم تفته صلاة الجماعة أربعين سنة
بما ذا نصفه والتاريخ مبهور من سيرته؟ ماذا نقول عنه وأعماله عبق في نافدة الخالدين؟ كيف نجترىء على دخول رحابه، وهو محفوف بالمهابة، موشى بالجلال؟ إننا نتقدم نحو تاريخه في استحياء لنقتبس بعض ومضات صافية منه لمن يريد أن يملأ عقله نورا، ووجدانه ضياء ويضفي على حياته الطهر والشفافية، لقد كان سعيد بن المسيب صفاء في طفولته، وسموا في صباه، وحكمة وثقافة في شبابه وعبادة خالصة لله في مراحل حياته كلها، كان يخشى الله حتى ترتعد فرائصه في أثناء الصلاة وتخضل لحيته بالدموع وهو يتلو القرآن، وقد ملأت هيبة الله جوانب نفسه فلم يهب نفسه سواه، حتى إنه واجه التعذيب بنفس راضية وقلب صبور، وتأبى أن يكون عبدا إلا لله، أو أن يخفض جبهته إلا لخالقه، وكان حريصا على صلاة الجماعة طوال أربعين سنة.

أكثر الناس صوابا وأحضرهم جوابا
كتب هرقل ملك الروم إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله عن الشيء ولا شيء وعن دين لا يقبل الله غيره، وعن مفتاح الصلاة، وعن غرس الجنة، وعن صلاة كل شيء، وعن أربعة فيهم الروح ولم يركضوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء، وعن رجل لا أب له، وعن رجل لا أم له، وعن قبر جرى بصاحبه وعن قوس قزح ماهو، وعن بقعة طلعت عليها الشمس مرة واحدة، ولم تطلع عليها قبلها ولا بعدها، وعن ظاعن ظعن مرة واحدة ولم يظعن قبلها ولا بعدها، وعن شجرة نبتت من غير ماء وعن شيء تنفس بلا روح، وعن اليوم وأمس وغد وبعد غد، وعن البرق و الرعد وصوته، وعن النحو الذي في القمر.
فقيل لمعاوية: لست هناك، ومتى أخطأت في شيء من ذلك سقطت من عينه فاكتب إلى ابن العباس يخبرك عن هذه المسائل فكتب إليه.
فأجابه ابن العباس: أما الشيء فالماء، قال الله تعالى:" وجعلنا من الماء كل شيء حي" وأما لا شيء، فإنها الدنيا تبيد وتفنى، وأما دين لا يقبل الله غيره، فلا إلاه إلا الله، وأما مفتاح الصلاة، فالله أكبر، وأما غرس الجنة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأما صلاة كل شيء، فسبحان الله وبحمده، وأما الأربعة الذين فيهم الروح، ولم يركظوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فأدم وحواء وناقة صالح وكبش إسماعيل، وأما الرجل الذي لا أب له، فالمسيح عليه السلام وأما الرجل الذي لا أم له، فآدم عليه السلام، وأما القبر الذي جرى بصاحبه، فحوت يونس عليه السلام سار به في البحر، وأما قوس قزح، فأمان من الله لعباده من الغرق، ما البقعة التي طلعت عليها الشمس مرة واحدة، فبطن البحر حين انفلق لبني إسرائيل، وأما الظاعن الذي ظعن مرة ولم يظعن قبلها ولا بعدها، فجبل طور سيناء، كان بينه وبين الأرض المقدسة أربع ليال، فلما عصت بنو إسرائيل، أطاره الله تعالى بجناحين، فنادى مناد إن قبلتم الثورة، كشفته عنكم و إلا ألقيته عليكم، فأخذوا التوراة معذرين، فرده الله تعالى إلى موضعه، فذلك قوله تعالى:" وإذا نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظله وظنوا أنه واقع بهم." وأما الشجرة التي نبتت من غير ماء فشجرة اليقطين، التي أنبتها الله على يونس عليه السلام، وأما الشيء الذي تنفس بلا روح، فالصبح، قال الله تعالى:" والصبح إذا تنفس". وأما اليوم فعمل، وأمس فمثلٌ، وغد فأجل وبعد غد فأمل، وأما البرق فمخا ريق بأيدي الملائكة تضرب به السحاب، وأما الرعد فاسم الملك الذي يسوق السحاب، وصوته زجره،وأما المحو الذي في القمر فقول الله تعالى:" وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة.. " ولولا ذلك المحو، لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل.

سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام :
وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ آية(71) سورة هود
قوله تعالى: "وامرأته قائمة" ابتداء وخبر، أي قائمة بحيث ترى الملائكة. قيل: كانت من وراء الستر. وقيل: كانت تخدم الملائكة وهو جالس. وقال محمد بن إسحاق: قائمة تصلي. وفي قراءة عبدالله بن مسعود "وامرأته قائمة وهو قاعد". "فضحكت" قال مجاهد وعكرمة: حاضت، وكانت آيسة؛ تحقيقا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون:
وإني لآتي العرس عند طهورها وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا
وقال آخر:
وضحكت الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا
والعرب تقول: ضحكت الأرنب إذا حاضت؛ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة؛ أخذ من قولهم: (ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت). وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت. وقال الجمهور: هو الضحك المعروف، واختلفوا فيه؛ فقيل: هو ضحك التعجب؛ قال أبو ذؤيب:
فجاء بمزج لم ير الناس مثله هو الضحك إلا أنه عمل النحل
وقال مقاتل: ضحكت من خوف إبراهيم، ورعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه؛ وكان إبراهيم يقوم وحده بمائة رجل. قال: وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم. وأنكر أبو عبيد والفراء ذلك؛ قال الفراء: لم أسمعه من ثقة؛ وإنما هو كناية. وروي أن الملائكة مسحت العجل، فقام من موضعه فلحق بأمه، فضحكت سارة عند ذلك فبشروها بإسحاق. ويقال: كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم، فذلك قوله: "وامرأته قائمة" أي قائمة في خدمتهم. ويقال: "قائمة" لروع إبراهيم "فضحكت" لقولهم: "لا تخف" سرورا بالأمن. وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير؛ المعنى: فبشرناها بإسحاق فضحكت، أي ضحكت سرورا بالولد، وقد هرمت، والله أعلم أي ذلك كان. قال النحاس فيه أقوال: أحسنها - أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم؛ فلما قالوا لا تخف، وأخبروه أنهم رسل الله، فرح بذلك، فضحكت امرأته سرورا بفرحه. وقيل: إنها كانت قالت له: أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطا إليك، فلما جاءت الرسل بما قالته سرت به فضحكت؛ قال النحاس: وهذا إن صح إسناده فهو حسن. والضحك انكشاف الأسنان. ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه؛ تقول: رأيت فلانا ضاحكا؛ أي مشرقا. وأتيت على روضة تضحك؛ أي مشرقة. وفي الحديث (إن الله سبحانه يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك). جعل انجلاءه عن البرق ضحكا؛ وهذا كلام مستعار. وروي عن رجل من قراء مكة يقال له محمد بن زياد الأعرابي. "فضحكت" بفتح الحاء؛ قال المهدوي؛ وفتح "الحاء" من "فضحكت" غير معروف. وضَحِك يضْحَك ضَحْكا وضِحْكا وضِحِكا وضَحِكا أربع لغات. والضَّحْكة المرة الواحدة، ومنه قول كثير:
غلقت لضحكته رقاب المال
قاله الجوهري:
روى مسلم عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس. قال سهل: أتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمرات من الليل في تور، فلما أكل سقته إياه. وأخرجه البخاري وترجم له "باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس". قال علماؤنا: فيه جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها. وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه، ويستخدمهن لهم. ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب. والله أعلم.
ذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل قالوا: لا نأكل طعاما إلا بثمن؛ فقال لهم: "ثمنه أن تذكروا الله في أوله وتحمدوه في آخره" فقال جبريل لأصحابه: بحق اتخذ الله هذا خليلا. قال علماؤنا: ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل. وقد كان من الجائز كما يسر الله للملائكة أن يتشكلوا في صفة الآدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام؛ إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلف إبراهيم عليه السلام الضيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة. ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا؛ وقد جاء في الإسرائيليات أن إبراهيم عليه السلام كان لا يأكل وحده؛ فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه؛ فلقي يوما رجلا، فلما جلس معه على الطعام، قال له إبراهيم: سم الله، قال الرجل لا أدري ما الله؟ فقال له: فاخرج عن طعامي، فلما خرج نزل إليه جبريل فقال له: يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة؛ فخرج إبراهيم فزعا يجر رداءه، وقال: ارجع، فقال: لا أرجع حتى تخبرني لم تردني لغير معنى؟ فأخبره بالأمر؛ فقال: هذا رب كريم، آمنت؛ ودخل وسمى الله وأكل مؤمنا.
قوله تعالى: "فبشرناها بإسحاق" لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها. "ومن وراء إسحاق يعقوب" قرأ حمزة وعبدالله بن عامر "يعقوب" بالنصب. ورفع الباقون؛ فالرفع على معنى: ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوب. ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في "من" كأن المعنى: وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب. ويجوز أن يرتفع بالابتداء، ويكون في موضع الحال؛ أي بشروها بإسحاق مقابلا له يعقوب. والنصب على معنى: ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب. وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون "يعقوب" في موضع جر على معنى: وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب. قال الفراء: ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض؛ قال سيبويه ولو قلت: مررت بزيد أول من أمس وأمس عمرو كان قبيحا خبيثا؛ لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو، كما فرقت بين الجار والمجرور؛ لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور، ولا بينه وبين الواو.

الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثـه
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.آية(259)
- تقدم قوله تعالى ( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ) وهو في قوة قوله هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم في ربه ولهذا عطف عليه بقوله ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) اختلفوا في هذا المار من هو فروى ابن أبي حاتم عن عصام بن راود عن آدم بن أبي إياس عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب أنه قال هو عزير ورواه ابن جرير عن ناجية نفسه وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور وقال وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير هو إرميا بن حلقيا قال محمد بن إسحاق عمن لا يهتم عن وهب بن منبه أنه قال هو اسم الخضر عليه السلام وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي قال سمعت سليمان بن محمد اليساري الجاري من أهل الجار ابن عم مطرف قال سمعت سلمان يقول إن رجلا من أهل الشام يقول إن الذي أماته الله مئة عام ثم بعثه اسمه حزقيل بن بورا وقال مجاهد بن جبر هو رجل من بني إسرائيل وأما القرية فالمشهور أنها بيت المقدس مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها ( وهي خاوية ) أي ليس فيها أحد من قولهم خوت الدار تخوى خواء وخويا وقوله ( على عروشها ) أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها فوقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة وقال ( أنى يحيى هذه الله بعد موتها ) وذلك لما رأى من دثورها وشدة خرابها وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه قال الله تعالى ( فأماته الله مئة عام ثم بعثه ) قال وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موته وتكامل ساكنوها وتراجع بنو إسرائيل إليها فلما بعثه الله عز وجل بعد موته كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيي بدنه فلما استقل سويا قال الله له أي بواسطة الملك ( كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) قال وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر النهار فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال ( أو بعض يوم قال بل لبثت مئة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) وذلك أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير فوجده كما تقدم لم يتغير منه شيء لا العصير استحال ولا التين حمض ولا أنتن ولا العنب نقص ( وانظر إلى حمارك ) أي كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر ( ولنجعلك آية للناس ) أي دليلا على المعاد ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) أي نرفعها فيركب بعضها على بعض وقد روى الحاكم في مستدركه < 4/234 > من حديث نافع بن أبي نعيم عن إسماعيل بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ( كيف ننشزها ) بالزاي ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقريء ( ننشزها ) أي نحييها قاله مجاهد ( ثم نكسوها لحما ) وقال السدي وغيره تفرقت عظام حماره يمينا ويسارا فنظر إليها وهي تلوح من بياضها فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة ثم ركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارا قائما من عظام لا لحم عليها ثم كساها الله لحما وعصبا وعروقا وجلدا وبعث الله ملكا فنفخ في منخري الحمار فنهق كله بإذن الله عز وجل وذلك كله بمرأى من العزير فعند ذلك لما تبين له هذا كله ( قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) أي أنا عالم بهذا وقد رأيته عيانا فأنا أعلم أهل زماني بذلك وقرأ آخرون ( قال إعلم ) على أنه أمر له بالعلم

أصحاب الرس وهم
وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا.آية(35-40)
يقول تعالى متوعدا من كذب رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من مشركي قومه ومن خالفه ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله فبدأ بذكر موسى وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا أي نبيا موازرا ومؤيدا وناصرا فكذبهما فرعون وجنوده ( دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ) وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحا عليه السلام ومن كذب برسوله فقد كذب بجميع الرسل إذ لا فرق بين رسول ورسول ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبون ولهذا قال تعالى ( وقوم نوح لما كذبوا الرسل ) ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عز وجل ويحذرهم نقمه ( فما آمن معه إلا قليلا ) ولهذا أغرقهم الله جميعا ولم يبق منهم أحدا ولم يترك من بني آدم على وجه الأرض سوى أصحاب السفينة فقط ( وجعلناهم للناس آية ) أي عبرة يعتبرون بها كما قال تعالى ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية ) أي وأبقينا لكم من السفن ما تركبون في لجج البحار لتذكروا نعمة الله عليكم من إنجائكم من الغرق وجعلكم من ذرية من آمن به وصدق أمره وقوله تعالى ( وعادا وثمود وأصحاب الرس ) قد تقدم الكلام عن قصتهما في غير ما سورة كسورة الأعراف بما أغنى عن الإعادة وأما أصحاب الرس فقال ابن جريج عن ابن عباس هم أهل قرية من قرى ثمود وقال ابن جريج قال عكرمة أصحاب الرس بفلج وهم أصحاب يس وقال قتادة فلج من قرى اليمامة وقال ابن أبي حاتم حددثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم حدثني أبي حدثنا الضحاك بن مخلد أبو عاصم حدثنا شبيب بن بشر حدثنا عكرمة عن ابن عباس في قوله ( وأصحاب الرس ) قال بئر بأذربيجان وقال الثوري عن أبي بكير عن عكرمة الرس بئر رسوا فيها نبيهم أي دفنوه فيها وقال محمد بن إسحق عن محمد بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة العبد الأسود وذلك أن الله تعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن به أهلها إلا ذلك العبد الأسود ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئرا فألقوه فيها ثم أطبقوا عليه بحجر أصم قال فكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ثم يأتي بحطبه فيبيعه ويشتري به طعاما وشرابا ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة ويعينه الله تعالى عليها فيدلى إليه طعامه وشرابه ثم يردها كما كانت قال فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ثم إنه ذهب يوما يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه وحزم حزمته وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سنة فاضطجع فنام فضرب الله على أذنه سبع سنين ثم إنه هب فتمطى فتحول لشقه الآخر فاضطجع فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى ثم

موضوع جميل